وفي آخر الدرس الماضيتكلمنا عن صيغ أسباب النزول الصريحة وغير الصريحة ,ثم تكلمنا وقلنا أن أسباب النزولالأصل فيها أنها من باب التفسير بالمثال ,وأن ما يحكى فيها عن السلف ليس من بابالاختلاف هذا هو الأصل فيها
فإذا وجد الاختلاففإننا ننظر إلى الأصح منها فنقدمه.
فإن تساويا في الصحةفإننا ننظر إلى الصريح منها فنقدمه.
فإن كانت كلها صحيحةوصريحة فهنا اختلف العلماء فيها على قولين ,وهذا الذي وقفنا عليه في الدرسالماضي:
القول الأول: أن نحملها على تعددالسبب بمعنى أن لهذه الآية أكثر من سبب نزول.
القول الثاني:أن نحملها على تعددالنزول.
وقد أشار شيخ الإسلامرحمه الله إلى هذا في المقدمة عند قوله:
(وإذا ذكر أحدهم لها سبباً نزلت لأجله وذكر الآخر سببا فقد يمكن صدقهما بأن تكون نزلت عقب تلك الأسباب , أو تكون نزلت مرتين, مرة لهذا السبب ومرة لهذا السبب)
أيهما أصح أيهاالإخوة نحمل علىتعدد السبب أم نحملها على تعدد النزول؟ ـ ومعنى تعدد النزول يعني أن الآية نزلتمرتين ,أتى هذا السبب فنزلت لأجله, ثم أتى السبب الآخر فنزلت لأجله ـ
الأولى أيها الإخوة أننحملها على تعدد السبب ,هذا هو الأصل وهذا هو الأولى، ما لم يكن هناك تباعد فيالزمن ينتفي معه تعدد سبب النزول , بمعنى هل يمكن أن نذكر ونقول هناك تعدد سبب لآيةنزلت بمكة ,وتعدد سبب لآية نزلت في المدينة!! لا .. هذه نحملها على تعدد النزول
لكن أحب أن أشير أيهاالإخوة إلى أنَّ تعدد النزول نادر ,بل إنّ بعض الباحثين في كتاب له تتبّع كل ما قيلبتكرار نزوله وأجاب عنه وخلص إلى أنه لا يوجد له مثال, بحسب اجتهاده وأنه لا يصح.
لكن في الواقع لوتأملنالابد بأن نستخدم تكرار النزول في بعض المواضع التي وردت فيها أسباب النزولصحيحة صريحة والزمن بين السببين متباعد.
ولذلك أشار شيخ الإسلامرحمه الله إلى هذا وهو رأيه يقول (أو تكون نزلت مرتين مرة لهذا السبب ومرة لهذا السبب)
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
) ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية ,فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب ولهذا كان أصح قولي الفقهاء) المسبب ما هو؟ هو الآية النازلة لتلك السبب ,يقول شيخ الإسلام وهذه قاعدة نفيسة: (العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب) يورثالعلم بالآية.
أضرب لكم مثال بسيطلهذه الفائدة:
الله عز وجل قال (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنشَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاجُنَاحَ عَلَيْهِ أَنيَطَّوَّفَ بِهِمَا (لونظرنا إلى هذه الآية معزول عن سببها كيف يكون حكم الطواف أوالسعي بين الصفاوالمروة باعتبار هذه الآية لوحدها؟
فلا جناح أقلّه أنيكون مباحاً ,ولذلك عروة ابن الزبير فهم هذا وسأل عائشة ,لكن عائشة رضي الله عنهاأجابت بسبب النزول تقول: لايا عروة لعمر الله ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة, لكنكان الناس في الجاهلية يُهلّون لمناة ,فلما أسلموا تحرّج أصحاب النبي صلى الله عليهوسلم أن يُهلّوا لمناة ,وكان مناة على الصفا والمروة ,وكيف هم الأن يقولون لبيكاللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، فتحرّجوا في الطواف استصحاباً لما كانوا يصنعونه فيالجاهلية, فأتى القرءان بإزالة الحرج الواقع في نفوسهم لا لبيان حكم السعي بين الصفاوالمروة
ولذلك العلم بالسببيورث العلم بالمسَبب لو لم يكن عندنا هذا السبب أيها الإخوة لفهم من فهم ,أو لو نظر ناظرإلى الآية بدون سبب نزولها لقال إن القرءان يدل على إن الطواف والسعي بين الصفاوالمروة أقل أحواله أن يكون مباحاً لأنه قال: (فلا جُنَاحَ أن يطّوّفَ بِهِمَا) (ولهذا كان أصح قولي الفقهاء أنه إذا لم يعرف ما نواه الحالف رجع إلى سببيمينه وما أيّدها وأثارها) لأن السبب كالمشروط ,فمثلاً لو حلف حالفوقال: والله لا أزور فلاناً وفي نيته سبب عدم زيارته أنه فاسق ,فتبين عدم زيارته وزارهلا يعتبر حانثاً ,وهذا ينفعكلام شيخالإسلام رحمه اللهنفيس في باب الأيمان وبابالطلاق فإذا طلّق مثلاً بناءً على سبب ثم تبيّن انتفاء ذلك السبب فإن المرأة لاتطلق.
(وقولهم نزلت هذه الآية في كذا يُراد به تارةً أنه سبب النزول ,ويُراد به تارةً أن هذا داخل في الآية وإن لم يكن السبب , كما تقول:عنيَ بهذه الآية كذا)
¥