تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقال إنَّ سائلا قدم عليه وهو في حلقة من حلقاته العلمية، فوجَّه إليه سؤالا بدا لسامعيه سهلا بسيطا، فأطرق الخليل يفكِّر فأطال في ذلك تفكيره، حتى ملَّ السائل موقفه ذاك، فغادر حلقته مغاضبا، وتعجَّب تلامذته من عدم إجابة شيخهم ذاك السائل عن سؤال بدا لهم سهلا ميسوراً، فقال الخليل: ما الجواب عندكم؟ قالوا كذا‍، قال: فإنَّه يضيف أمرا جديدا لم تنتبهوا إليه، فيقول: فما يكون جوابكم؟ قالوا: يقول كذا، قال: كان يقول لكم كذا فما تجيبون؟ فنظروا في ذلك فوجدوا أنهم ضلُّوا السبيل بأجوبتهم فسكتوا وانقطعوا، فقال: لقد لمتموني على تأخري في الجواب، ولكنِّي ما أجبت بجواب قط إلاَّ وأنا أعرف آخر ما فيه من الاعتراضات والمؤاخذات، وقبيح بالمجيب إذا ابتدأ بالجواب أن يفكِّر بعد ذلك، وليس معيبا في حقه أن يؤخِّر الجواب، فليست كلُّ أمور العلم تحل في ساعتها، وما العيب إلاَّ أن يُسرع العالم في العلم ثم يتبين له خطؤه فيه، لأنَّه إن أخطأ ظهر خطؤه وأضاع مكانته، فزلَّته يضرب بها الناس بالطبل لأكبر الحوادث» [23]

هذا هو الخليل، عظمة في التفكير، وعظمة في التصرف والسلوك، لا يستجيب لاستفزاز، ولا يشرئب إلى بريق، أو يغتر بمظهر، إنَّ العلم عنده وقار وهيبة وتدبُّر، لا يهمُّه أن يقال سكت ولم يجب، بقدر ما يهمُّه أن يقال أجاب فأخطأ، وذلك هو العقل الرياضيُّ، الذي يبحث عن الصواب، يصل إليه بخطوات ثابتة ووسائل عقلانية.

وللخليل في هذا المجال التربويِّ حكايات تدعو إلى الإعجاب والتأمل:

تطفل رجل جاهل من فزّارة على حلقته يوما، وكان رجل يسأل الخليل عن قوله تعالى:] قال ربي أرجعوني [فقال الخليل سألتموني: عن شيء لا أحسن ولا أعرف معناه -تهيبا منه لكلام ربِّ العالمين- فاستحسن الناس تلك الصراحة؛ ولكنَّ الفزاريّ استقبح منه هذا الجواب، وبدت على وجهه علامات الإنكار وامتهان الخليل، وعرف الخليل بذكائه الحاد ونظراته في ذلك الشخص ما يجول بخاطره فسأله:-على عادته الذكية في تربية الناس وتوجيههم- عن رأيه في تفسير الآية، فلم يجب الرجل الفزاري، وأعاد الخليل السؤال وضحك الفزاري، والتفت الخليل إلى جلسائه قائلا: الرجال أربعة: «فرجل يدري ويدري أنَّه يدري فذلك عالم فاسألوه، ورجل يدري ولا يدري أنَّه يدري فذلك غافل فأيقظوه، ورجل لا يدري ويدري أنَّه لا يدري فذلك جاهل فعلِّموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنَّه لا يدري فذلك مائق أحمق فارفضوه»، ونظر أهل المجلس إلى الفزاري وقد تصبب عرقا» [24].


[1]ـ يراجع أحمد عبد الغفور عطار، مقدمة الصحاح، دار الكتاب العربي مصر، دت، ص:95.

[2]ـ الخليل بن أحمد (مقدمة) كتاب العين، دت: د/ مهدي المخزومي، د/إبراهيم السامرائي، ط‍1، إيران: 1409هـ1989م، ص:6.

[3]ـ يراجع، د/ مهدي المخزومي، عبقري من البصرة، دار الرائد العربي، بيروت، لبنان: 1986م، ص:23.

[4]ـ يراجع، أبو الطيب اللغوي، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، مراتب النحويين، دار الفكر العربي، القاهرة: 1394هـ ـ 1974م ص: 55 وما بعدها، وانظر: د. مهدي المخزومي، عبقري من البصرة، (مرجع سابق) ص"24.

[5]ـ يراجع: المرجعين السابقين، نفس الصفحات.

[6]ـ يراجع: زيد بن عبد المحسن، من أعلام التربية العربية الإسلامية، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض: 1409هـ/1988م، ج1، ص:164. نقلا عن: ماسينيون: خطط البصرة وبغداد، ص: 18.

[7]ـ ابن كثير، البداية والنهاية، مكتبة المعارف، بيروت، ج10،ص161، / ابن عماد الحنبلي، ت: محمد الأرناؤوط، شذرات الذهب، ط: دار بن كثير، بيروت:1406هـ /1986م، ج1 ص:270.

[8]ـ د. مهدي المخزومي، الخليل بن أحمد، جار الرائد العربي، بيروت:1406هـ / 1986م، ص44.

[9]ـ يراجع ابن نباته المصري، سرح العيون، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، منشورات المكتبة العصرية، صيدا، بيروت: 1406هـ / 1986، ص:296.

[10]ـ يراجع المرجع السابق.

[11]ـ يراجع محمد حسين آل ياسين، الدراسات اللغوية عند العرب، منشورات كدار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، ص257.

[12]ـ ينظر الشيخ السالمي: تحفة الأعيان، ت. أبو إسحاق، (ط القاهرة، مصر: 1343هـ) ج:1.

[13]ـ ينظر: د. مهدي المخزومي، الخليل بن أحمد، مرجع سابق.

[14]ـ يراجع: زيد بن عبد المحسن، مرجع سابق: ص 166.

[15]ـ يراجع: زيد بن عبد المحسن، مرجع سابق، ص: 178.

[16]ـ المرجع السابق.

[17]ـ زيد بن عبد المحسن، مرجع سابق، ص: 179.

[18]ـ زيد بن عبد المحسن، مرجع سابق، ص: 174.

[19]ـ يوسف العش، قصة عبقري، دار الفكر، دمشق:1986، ص:32.

[20]ـ المرجع السابق، ص: 34

[21]ـ ابن الأنباري، نزهة الألباء، ت: د/إبراهيم السامرائي، مكتبة المنار، الأردن: 1405هـ 1985م، ص:58.

[22]ـ جمال الدين القفطي، أنباء الرواة، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة (دت)،ص 377، أيضا: معجم الأدباء، ص 75.

[23]ـ قصة عبقري، المرجع السابق، ص112.

[24]ـ بتصرف، المرجع السابق، ص: 180

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير