تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإذا خبلت مفعولات = أي حذف منها الحرف الثاني والرابع = كما سيأتي أصبح المنسرح والأحذ بحراً واحداً

ومن أشبه المنسرح بالأحذ قول الطالوي وهو من المنسرح

مولاي يا قاضي القضاة ومن # بالعلم والحلم طاب محتده

فإذا لم يحرك الياء في " القاضي " كان صدره من الأحذ

وقول علي الغراب الصفاقسي

يا ويح أهل صفاقس عزلوا # إمامهم ورموه بالخبثِ

وقدموا لصلاتهم حدثاً # فهل الصلاة تجوز بالحدثِ

كذا ورد البيتان في الأصل، والصواب في الشطر الأخير أنه

(وهل تجوز الصلاة بالحدث) وأن البيتين من المنسرح

وهو لا يختلف عن مخلع البسيط إلا بزيادة الوتد المجموع = أي حركتان يليهما ساكن = في آخره

مما جعل الكثير من العروضيين يذهبون إلى تسمية مخلع البسيط بمجزوء المنسرح

ويمكن ملاحظة هذا التداخل بينهما في البيت التالي

(كأنما ورد وجنتيه على # قضيب بانٍ من فوقه قمرٌ)

(كأنما ورد وجنتيه # قضيب بانٍ من فوقه قَ)

قال جلال ص 449 والمظنون لدينا أن المنسرح منبثق من الكامل وإذ كان ذلك كذلك أطلق عليه لقب الكامل المنسرح ثم انفرد بلقبه الذي صار اسماً له فقيل المنسرح. فإن قوة العلاقة بين المنسرح والكامل ظاهرة كل الظهور

فمن الكامل ما يمكن عده من المنسرح دون زيادة أو نقصان، ومن ذلك

ما يستبين سرور صاحبها # حتى يعود سروره حزنا

وسبب ذلك خبل " مفعولات " والخبل حذف الثاني والرابع منها لتصبح " فعلات "

وقال في صدد حديثه عن سبب تسمية الخفيف ص 245

(والذي يميل إليه الحس أن الخفيف من بعض مشتقات المنسرح فلعله قيل فيه المنسرح الخفيف كما قيل المنسرح البسيط ثمَّ استقرت تسميته على الصفة التي وصف بها)

وقال في تعريفه بالبحر البسيط: (وأصل هذا البحر هو المنسرح فإنه حين خفت

عنه بعض أثقاله النثرية سهل النظم فيه واستجاب للإيقاع المنطلق فقيل " المنسرح

البسيط " ثمَّ أطلقت هذه الصفة على وزن مستقل بنفسه وهيئته المتميزة بثماني

تفاعيل خلافاً للأصل " أي المنسرح " الذي هو سداسي التفاعيل

ولا تزال هناك بقايا علاقات ووشائج بين البحرين منها أن ما سمي بمخلع البسيط أقوى صلة بالمنسرح منه بالبسيط، كما أن المجتث يخرج من المنسرح ومن البسيط على حد سواء) " انظر تفصيل ذلك في المخلع "

ويضاف إلى ذلك خروج المقتضب من صلب المنسرح فإنما سمي مقتضباً لأنه اقتضب منه

ومع ذلك فقد عزف المتأخرون عن المنسرح فلا تكاد ترى لهم فيه إلا ما يعد على الأصابع وربما كان سبب ذلك ضياع لحنه وإعراض أصحاب الغناء عنه واختلاف المدارس العروضية في تحديد أسبابه وأوتاده كما سيأتي معنا

فمن أصل 1298 شاعراً لم نعثر في الموسوعة على المنسرح إلا عند 307 شعراء، منهم 118 شاعراً ليس للواحد منهم سوى قصيدة واحدة من المنسرح، يأتي في مقدمتهم ابن الرومي وله 119 قصيدة ثم ابن نباتة وله 84 قصيدة ثم أبو نواس وله 75 قصيدة هي أجمل ما وصلنا من المنسرح.

ومن أبرز الأمثلة على ضياع لحنه قول علي الدرويش في ديوانه (الإشعار بحميد الأشعار، صفحة 256) في مطلع القصيدة:

لا تحسبيه أسيرك الناحلْ # أو في الهوى عما ينبغي ذاهل

فقد علق الشيخ أحمد الزرقاني على البيت بقوله: الصواب: (أو فيك عما ينبغي ذاهل) لئلا ينكسر البيت. واستدرك عليه جامع الديوان مصطفى سلامة النجاري بقوله: ليس بلازم، بل لا تمد الهوى مشبعا فتحتها بل الفتحة مقطوعة مقصورة، وإنما أخذنا كسره من فيه.

ولا أجد أبلغ من هذا المثال لتوضيح حالة البحر المنسرح المتدهورة، فقد أخطأ كلا المعلقين، أما الزرقاني فقد حسب أن القصيدة من أحذ الكامل وبنى على ذلك أن البيت مكسور وأن صوابه ما قاله، وذلك لأنه لم يشبع حركة الهاء في قول الشاعر: لا تحسبيه. وأما النجاري فقد ذهب إلى أن البيت مكسور وأنه أخذه كذا من فم الشاعر.

وسبب ذلك كله أن الدرويش في قصيدته هذه قد عمد إلى واحد من أندر أوزان المنسرح، وهو الذي سماه الشيخ جلال حنفي المنسرح الثاني، وتبنى قافيته على مُفْتَعْ لُنْ.

وبالرغم من كل ما أسلفنا فإن تاريخ المنسرح القديم يشهد له بالرقة والرشاقة، حيث جعله الشعراء مدخلهم إلى محاورة الحبيب عندما يكون الحديث حديث مفاكهة وظرف حتى قال عبد الكريم البسطي

ومنشد الشعر يغرينا بنغمته # إذا شدا بسريع أو بمنسرح

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير