تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لم تكن سيرين تتذوق هذا النوع من الفن التشكيلي .. إلا أنها أبدت اهتماماً بالغاً به حين بدأ كريم يرسم وسط اللوحة وجهاٌ هلامياً لفتاة حسناء ملامحها ساحلية، تسدد نظرها الساحر مباشرة في عيني كل من يرى اللوحة ويتأملها.

ظنت في بادئ الأمر أنها هي المقصودة بالفتاة .. وهو الأمر الأكثر دفأً الذي تسلل إلى مشاعرها ودفعها باتجاهه .. وتجزم في قرارة نفسها أنه يبادلها الشعور نفسه .. بينما لم يكن كريم ينظر إليها بهذا الاتجاه.

ورغم أن كريم لم ينته بعد من رسم اللوحة .. إلا أنها أحرجته أمام زملائها وزميلاتها وهم على الغداء .. وراحت بحماس تصور لهم براعته في الرسم وجمال اللوحة التي رسمها بسرعة عجيبة وإبداع أخّاذ. وتحت ضغط الجميع وإلحاحهم المتكرر، وجد نفسه المسكين يجر رجليه باتجاه غرفته ليحضر لهم اللوحة.

* * * * * * * * * * * *

في المساء .. كانت عناصر اللوحة دون إذن سابق من أحد تتحول إلى أكثر المواضيع طرحاً على الطاولات وفي الممرات والغرف. وتصبح هذه العناصر مجتمعة موضوع السهرة الوحيد. (البحر-السحب السوداء- الجزيرة – الباخرة – سوء الطقس- وأخيراً وهو العنصر الأكثر إثارة وتشويقاً وغموضاً من بينها؛ الدوامات البحرية)

وكان بعض الذين وهبهم الله إحساساً مرهفاً بالخطر قبل وقوعه من الركاب، يشعرون دون غيرهم بوجود حركة خفية غير طبيعية بدأت تظهر على تصرفات البحارة وطاقم السفينة .. .

ثم ما لبثت هذه الأحاسيس أن تحولت إلى واقع بدأ يطفو على السطح عندما بدأت السفينة الضخمة تتمايل وترتفع وتنخفض وتفقد تدريجياً شيئاً من توازنها وسط دهشة الركاب الذين لم يستطيعوا هم أيضاً السيطرة على أنفسهم وتوازنهم .. بل ولم يتمكنوا من السيطرة على ملاعقهم وصحونهم وهي تتساقط على أرضية المطعم الكبير.

وعبثاً كان يحاول النادلون (الجرسونات) في المطعم تهدئة الركاب والمسارعة بتنظيف أرضيات المطعم وتبديل الصحون المكسورة على الأرض ..

على طاولة طويلة تحلق حولها كريم وسيرين وثمانية من زملاء وزميلات سيرين، لم يكن الوضع أحسن حالاً عن بقية الطاولات وبدأ حديثهم يتقطع بتقطع التيار الكهربائي داخل المطعم .. وترتفع أصواتهم بارتفاع أصوات من حولهم من الركاب المذعورين .. وكان أحد الفرنسيين يربط عناصر لوحة كريم بالذي يحدث الآن،غير أنه نسي الدوامات البحرية .. ونسي معها الجزيرة بالطبع.

(يتبع)

* * * * * * * * * * *

ـ[الحب خطر]ــــــــ[13 - 01 - 2005, 11:02 ص]ـ

الجزء الثاني

.

ساعتان مضتا وهم على هذه الحالة، والوضع يزداد سوءاً واضطراباً وبدأ بعض الركاب وكبار السن يفقدون السيطرة على أنفسهم وأعصابهم .. وسرعان ما كانت تنشب بين الفينة والأخرى عراكات ومشادات يدوية بين هذا وذاك ثم ما تلبث أن تخمد تماماً بتدخل أحدهم لفض النزاع من أجل الجميع.

داخل السفينة .. كان كل شيءٍ يتجه إلى الأسوأ، والحسابات الشخصية تتضارب داخل كل عقل .. والأمزجة تتعقد .. والأعصاب تشتد .. والأنوار تنقطع ثم تشتعل بشكل يزيد من توترهم وخوفهم .. والصرخات المفاجئة تنطلق عنوة من أفواه بعض النساء ثم سرعان ما تتحول إلى ضحكات مصطنعة ممزوجة ببكاء خافت في محاولة نفسية يائسة لبث الثقة في أنفس الجميع وخصوصاً الأطفال الذين تعالت صيحاتهم نتيجة الانزعاج والجوع.

أما خارج السفينة ... فكان الوضع الأكثر خطورة ودموية .. وهو الوضع الأكثر وضوحاً أمام عيني قبطان السفينة ذا الغليون المعقوف.

بات وجهه المتجهم وكأنه خريطة متداخلة الخطوط لأسوأ أرض رعب عرفها إنسان.

إنه يرى حتماً ما لا يرون .. ويعلم ما لا يعلمون، بل ويسمع على ذبذبات الراديو ما لا يسمعون.

كان يخفي مخاوفه الحقيقية حتى عن أقرب بحارته ومعاونيه، وهو يرسل إشارة استغاثة أخيرة قبل أن ينقطع الإرسال الذي كان يربطه باليابسة!! ويبدو أن إشارته لم تصل إلى مكان .. ونداءه بطلب النجدة راح أدراج الرياح سدى، غير أن معاونه الأقرب " وهو برتبة كولونيل بحري متقاعد " سمعه أثناء إرسال الإشارة الأخيرة وهو يتحدث عن شيءٍ اسمه (الحوت الأعمى)!!! وكأنه سرٌ من أسرار الماضين لا يعرفه إلا القلائل من كبار الصيادين وقباطرة البحار!!!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير