تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأشعار من غير قافية ..

وأحرف من غير نقط ..

وآهات بلا أنين.

ولدت تلك المشاعر الطاهرة في صدريهما من غير أب ولا أم .. وراحت تكبر، وتكبر ولا أحد منهما يملك دفعاً لهذا الجنين الذي بدأ ينمو باطراد ويتحرك باتجاه الدنيا .. لم يكن شيء يستطيع منعه الآن من الانفلات خارج الأسوار، غير العناد، والمكابرة، والتحدي والإرجاء، ...

وغير بقايا من صبر ويقين بأن الأيام القادمة هي الحكم .. وهي الجلاد ...

فإما أن يرى النور .. وإما أن يدفن في غيابت الجب إلى الأبد.

* * * * * * * * * *

كانت أم كريم، هناك في بلادها وراء البحار، قد جن جنونها لفقد كريم، فحركت والده للبحث عن ابنهما المفقود ..

أما سيرين فكانت قد وصلت بعد ثلاثة أيام من التنقل بين جزيرة وأخرى عبر قارب النجاة هي ومن بقي معها من الناجين .. ولم تكف يوماً عن التفكير في كريم، وفي جهاز البث الذي تركته معه. تلك كانت فرصة النجاة الوحيدة التي تمكنهم من التعرف على مكانه في مجاهل المحيطات والبحار، إن هو استطاع تشغيله وإطلاق نداء استغاثة بالتأكيد ...

وكانت تزور أهل كريم في كل يوم للاطمئنان على أحوال أمه المشلولة، وتترصد في الوقت نفسه ورود أي إشارة تؤكد أنه لا يزال على قيد الحياة.

وكانت صورة كريم؛ وهو ينظر في عيني ملتقط الصورة، هي الشيء الوحيد الذي تبقى في يد سيرين يذكرها به ... ويذكرها بأسوأ أحداث مرت بها في حياتها .. لقد طبعت الصورة بحجم كبير وعلقتها على باب غرفتها من الداخل.

كانت تلك النظرات المرعوبة، هي النظرات الأخيرة قبل أن يفرق بينهما الموج. نظرات ملؤها الخوف من المجهول وفُجَاءَةِ الموت.

فوق سريرها علقت صورة تلك اللوحة الغريبة التي رسمها كريم قبل وصول الإعصار المدمر، لقد التقطت أيضاً صورة لتلك اللوحة في اللحظات الأخيرة.

كانت سيرين تقسم داخل قلبها أنه حي .. ليس عندها دليل قاطع بالطبع، لكن شيءٌ ما في أعماق نفسها يؤكد لها ذلك .. وكانت تشعر في ذات الوقت بعقدة الذنب!! إذ أنها كانت السبب في ركوبه البحر في تلك الرحلة.

أما والد كريم، ذلك الثري العجوز، فقد اتفق مع عدد من البحارة وصيادي الحيتان لتجهيز قاربين كبيرين وسريعين مزودين بأحدث الأجهزة، للبحث عن كريم ومن بقي من الناجين الذين قد يصادفونهم على الجزر البعيدة المتناثرة هناك، وقام بتمويل القاربين بالكامل، واستعان بعدد من الخبراء في شؤون البحار يرافقهم قائد قارب النجاة الذي وصلت على متنه سيرين ومن معها لعله أن يدلهم على نقطة اختفاء السفينة وسط الإعصار.

ثم جهزوا معهم جهازاً مخصصاً لالتقاط إشارات البث البعيدة على أي موجة بث ممكنة، وأي تردد ذبذبي كان مهما كان خافتاً وبعيداً.

قرر والد كريم أن ينضم بنفسه إلى هذه الرحلة استجابة لطلب أم كريم، ومع إصرار سيرين على مرافقتهم، لم يجد والد كريم بداً من قبول طلبها وقبول طلب (رغد) أيضاً التي أصرت هي الأخرى على مرافقتهم في رحلة البحث عن أخيها المفقود ...

ثم انطلق القاربان في صبيحة اليوم التالي باتجاه بحر العرب ومنه إلى المحيط الهندي البعيد.

قفزت إلى عقل غيوم فكرة غريبة رأت عرضها على كريم أولاً لعله أن يقبل بها!!.

- قالت له: هناك مزرعة كبيرة في طرف الجزيرة يملكها أحد أثرياء القرية .. وأذكر أنه عرض ذات يوم على بعض شباب الجزيرة أن يعملوا عنده في المزرعة نظير أجرة معقولة.

أنت تعمل عنده في المزرعة لجمع قيمة البطاريات يومين أو ثلاثة، و (جندر) يجهز الآريل الهوائي , ريثما أتدبر أنا أمر المحول الكهربائي من عند جلال. هاه ما رأيك؟؟

- كريم: ولكن يا غيوم .. كيف أسمح أن تعودي ثانية إلى ذلك الأهوج!! إنه رجل غليظ الطبع وأنا لا أرتاح إليه أبداً على أية حال. كانت نظراته إليكِ تخفي نية شريرة أتذكرين؟؟

- غيوم: لا عليك كريم .. لقد اعتدت على نظراته تلك منذ خمس سنين، سأتدبر أمره .. ثق بي.

- كريم (وقد أطرق يفكر ملياً): أمممم حسناً، وماذا سأصنع أنا في المزرعة؟؟ أحلب البقر، وأنظف إسطبل الخيول، وأحرث الأرض، وأسقي الزرع!!! لا .. لا .. قولي لي أنك تمزحين!!!

- نظرت إليه غيوم نظرة إصرار وقد عقدت حاجبيها ثم قالت له ويديها على خصرها: هل لديك حل آخر أيها الناعم؟؟؟.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير