تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يبدي تسامحاً في هذا الجانب أو حتى تأييداً – ولو مبطناً – على اختياره ذاك، بل راح يحاول ثنيه عن هذه الرغبة ويعده أنه سيجد في بلاده من هي أفضل له من غيوم .. وكان يصرح كثيراً بإعجابه بسيرين، وثقته بأنها الأنسب له.

- كريم: ... ولكن .. أبي

إنني لا أنظر إلى سيرين إلا كما أنظر إلى أختي رغد. لم تكن يوماً سوى زميلةٍ في

العمل وأختٍ خارج هذه الحدود لا أكثر.

- السيد حمدان: (وهو ينظر إلى الفتاة المنهمكة باللعب مع ابنته): -

يا بني .. إنه من الأجدى لك أن ترتبط بفتاة تناسبك في كل شيء ....

- قاطعه كريم: .. أتعني .. أتعني أن تكون عربية!!؟؟

- السيد حمدان: لا .. ليس تماماً كريم، كل الذي كنت أعنيه يا بني أن يكون الفارق

في كل شيء قليلاً حتى يحصل بينكما الوفاق والوئام.

- كريم: ألستَ تؤمن بالحب الصادق يا أبي؟؟

أليس أنت الذي رباني على أن أفضل أصدقائنا وأنصع علاقاتنا هي تلك التي

تجمعنا بأشخاص نحتاج إليهم أكثر مما يحتاجون هم إلينا؟؟؟

ألم تكن تنهاني دائماً عن مجالسة أولئك الذين يتسللون إلى جيبي عبر نافذة عواطفي؟؟

- السيد حمدان: بلى .. ولكن ...

- كريم: .. أبي .. أرجوك .. بل أتوسل إليك إلا منحتني ثقتك التي اعتدت عليها.

إنك لم تتعرف على غيوم بشكل كافٍ يجعلك تحكم عليها هكذا!! ... لقد

لقد أنقذت حياتي مرات على هذه الجزيرة .. وتملكت مشاعري وعقلي وهي حتى هذه اللحظة لا تعرف من أكون .. ولا من أي بلاد أتيت، لم تسألني يوماً ولم يخطر ببالها هذا ولا أظنها يهمها على الإطلاق ...

- قاطعه والده وهو يشعل غليونه بانزعاج ويسحب منه نَفَساً عميقاً يكاد يتسرب إلى أمعائه وأطراف رجليه وهو يقول:

كريم .. إنك في مقتبل العمر يا بني، وأمك هناك في شوق حارق يكاد يأكل بعض أطرافها المشلولة.

لقد أسرّت إلي ذات ليلة أنها تفكر بجد في خطبة "سيرين " من أمها، وأجدني أوافقها بلا شك وأظن أنها مغرمة بك كريم ..

ثم أردف يقول: آه لو تدري كم كانت قلقة وخائفة .. لا بل فزعة من اختفائك ربما أكثر مما أنا عليه وأمك .. لم تتخلف يوماً عن زيارتنا تترصد أخبارك ...

ثم قام يمشي خطوات متثاقلة باتجاه حد الشرفة المطلة على البحر وهو يقول بصوت منخفض: ولو أنني شخصياً أرغب في خطبة " هيام " إبنة خالك إسماعيل محافظ المصرف المركزي.

- كريم (في أسى ولوعة): أبي .... أتوسل إليك إلا وقفت بجانبي وتفهمت رغبتي الأكيدة

ثم رفع بصره وشخص به إلى السماء وهو يقول: رباه كن معي أرجوك ... إنك تعلم الذي أبغيه في هذه الدنيا.

- السيد حمدان: كريم .. ما الذي دهاك يا بني!!

لم أرك يوماً في هذه الصورة من الإصرار والحماسة ... إسمع

... إن لم تعجبك سيرين .. ولا هيام .. فهناك ابنة عمدة المدينة ..

وهناك الكثيرات والكثيرات من بنات الأسر العريقة .. وكلهن جميلات

وكلهن فاتنات ويرغبن بمثلك ..

- كريم: لكن ليس " كلهن " غيوم ..

ثم أبي .. كيف تحقق لإحداهن رغبتها ولا تحقق لي أنا رغبتي ...

- السيد حمدان: سبحان الله!!!

ما الذي يجعلك تميز " غيوم " هذه عن غيرها؟؟؟؟؟

- كريم: أبي ..

إن كل كُريَّةٍ حمراء جديدة تسري في شراييني تشهد لها بالامتنان والفضل ..

ألا يكفي هذا!!؟؟

- السيد حمدان: كلا .. " قالها بشكل حازم يريد حسم الموقف بشكل نهائي، ثم انصرف داخل الكوخ حيث فراشه ثم أغلق الباب بعنف!!! ".

* * * * * * * * *

وقف كريم يتأمل بقلق، آثار الانزعاج التي كانت ظاهرة على ملامح وجه والده الهادئ على نحو لم يعهده منه من قبل!! ويسترجع شيئاً من شريط تسجيل الحوار الطويل في عقله الذي دار بينهما .. ثم خيبة أمله وقد استجمع غُصّةً في حلقه سدت مجرى الهواء حتى تكونت في مقلته دمعةٌ عصية تدافعه ويدافعها .. ثم أشاح بوجهه ينظر باتجاه الغابة التي بدت سوداء موحشة وهو يعلم يقيناً أن وراء هذا السواد الحالك يكمن أعظم سر في حياته ..

وأن هذه العوالم والحواجز التي تراكمت بينه وبين غيوم لن تثني عزمه عن نقبها حتى يصل إليها.

ثم تنبه لصوت سيرين التي أقبلت وبيدها رغد، وقد أنهكهما التعب وقررتا أخيراً النوم قبل أن يتأخر الوقت أكثر ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير