تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مرت من أمامه أخته أولاً فحيته ودخلت الكوخ تبحث عن حضن أبيها الدافئ، ثم مرت سيرين وتوقفت أمامه لحظات لمحت فيها ابتسامة صفراء باهتة على وجه كريم ثم دخلت هي الأخرى وأغلقت الباب وراءها فلم يعد الكوخ يتسع لأكثر من ثلاثة أشخاص، بينما نام الباقون متفرقين بين القارب وجنبات الكوخ.

لم يشعر كريم بنفسه إلا وقد ابتعد خطوات بعيدة عن الكوخ، وهو يمشي حافي القدمين على تراب الشاطئ البارد، وقد أدخل يديه في جيوب بنطاله يتحسس الذي استقر فيها منذ وقت ولم ير النور!!! وأخذ يسبح في بحر تفكير أعمق من المحيط الذي وقف قبالته يستنشقه بنهم.

" ليتهم تأخروا يومين أو ثلاثة ... ليتني لم أبعث نداء استغاثة!! لقد تأخرت كثيراً فيما يبدو

أبي ... أمي ... رغد ... سيرين ... آآآآآه ليتكم لم تجدوني "

أين هي الآن يا ترى!!؟؟ كيف غابت عن وداعي فجأة!! أتراه بسبب أمها المريضة؟

أي يوم نحس ٍ هذا الذي سيقتلع جذوري من تراب آلادميرانتي بعد إذ استطابت! ".

ظل يحدث نفسه والأسى يعصر قلبه المجهد، وقد جثم على صدره إحساس بغيض بدنو ساعة الفراق.

إنه لم يعتد يوماً على عصيان أبيه، لكنه قد يفعل هذه المرة إذا استوجب الأمر ..

لم تكن حساباته _ منذ أن ركب البحر - تسير على النحو الذي يريد؛ فلم يكن قد خطر بباله يوماً ما الذي سيؤول إليه الحال لو أنه عصى أباه وأمه وكل تعاليم الطاعة ونداءات الاستغاثة التي جاءت تناديه مع كل قطعة خشب من القارب الذي جاء بهم؟؟؟

ما ذا لو أن والده أصر غداًَ على الرحيل بدون غيوم!!؟؟؟

ورغم أنه لا يتوقع حدوث أمر كهذا، إلا أنه يبقى احتمال وارد على أية حال وهو أمر يستوجب معه التصرف بكل لباقة وضبط أعصاب.

كانت أفكاره تتلاطم بشكل متناسق مع تلاطم أمواج المحيط الهادر أمامه وهو شارد الذهن بينما كانت إحدى رجليه تخط على تراب الشاطئ أخاديد عميقة راح يحفرها مكوناً جملة (شبه) مفيدة، وبحروف مقطعة بالكاد يصل إليها المد فيطمس شيئاً منها ثم ينحسر عنها مع حالة الجزر. ثم قفل راجعاً إلى الكوخ وقد أقسم بقسم استبطنه في قرارة نفسه.

* * * * * * * * * *

إحساس سيرين بالجوع الشديد؛ كان أول المتسببين في استيقاظها قبل الجميع مع اختلاس خطوط الفجر الأولى مساحات نائية من الأفق المظلم .. وما كادت تفتح باب الكوخ بهدوء حتى قفز من بين يديها سنجاب بري صغير كان يبحث عن فتات خبز بين القدور، وحين لمحها قام يتقافز بشكل مذعور ويتوارى عنها كأنما يلاعبها، وهي تحاول الإمساك به بوداعة مصطنعة .. إلا أنه راح يبتعد عن الكوخ بالتدريج .. وهي تلاحقه حتى دخلا الغابة.

ولم تتفطن الشابة أنها قطعت مسافات بعيدة في عمق الأشجار فنسيت السنجاب من هول جمال الغابة في هذا الصباح الباكر وكأن الطبيعة تغني لها أغنية ترحيب خاصة وتفتح لها ذراعيها

وتقدم لها ما جادت به شجيرات التوت البري الأسود عوضاً عن القهوة العربية التي اعتادت عليها.

إن الغابة لم تكن – على ما يبدو – هي المرحب الوحيد في هذه الضيفة (الدسمة)، فقد كان المرحبون كُثر بلا شك!!! وليس بالضرورة يأتون إليها يمشون على أقدامهم!!

كانت تقف بكل حنق وتطلق عبارات التأفف من هذه الأتربة والأوساخ تحت شجرة استوائية عملاقة من النوع المعمر .. وقد التفت أعداد من الشجيرات المتسلقة الخضراء على ساقها العريض، ولم تكن تنظر فوق رأسها وكأنها تأمن تماماً هذه الناحية!! رغم أن نداء الفطرة في نفسها يصرخ في جوفها أن ثمة خطر محدق!! لقد كان لضعف خبرتها في هذا العالم الأخضر سبيلاً للنيل من لحمها الغض!!

وفجأة .. ودون سابق إنذار مرق من بين عينيها وميض شيء سريع لمع في الهواء قبل أن يستقر في جذع الشجرة كاد أن يلامس شحمة أذنها اليسرى!!

فالتفتت وراءها وإذ بها ترى سكيناً حمراء النصل وقد انغرزت في وسط رأس أفعى ضخمة مخيفة كانت قبل ثوانٍ تتدلى فوق رأسها تماماً .. والتصقت الأفعى ورأس السكين في عرض الساق .. وقد أطلقت الأفعى في نفس الوقت آخر صرخة مفزعة كُتمت على الفور حتى سقطت الأفعى بجسمها الطويل على الأرض!!

أصاب سيرين الفزع والخوف من هذا المنظر وراحت تلتفت يمنة ويسرة باتجاه مصدر السكين فلم تر ولم تسمع صوت أحد!!!؟؟؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير