تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يبدو أن الذي أنقذها لم يكن يأبه لأمر السكين فلم يأتِ لأخذها " وربما لم يكن يأبه كثيراً حتى لأمر سيرين لكنه داعي الإنسانية المجردة فحسب ".

عادت سيرين باتجاه الكوخ تركض وتتخبط في طريقها حتى وصلت إليهم وقد استيقظ الجميع تقريباً فاندست من بينهم بكل هدوء ولم تتكلم عن شيء.

كانت جميع الحاجيات قد نقلت بسرعة إلى القارب ولم يكن قد بقي على اليابسة غير السيد حمدان وكريم والقائد سميع الرحمن وبعض رجالات القبيلة ذوو الوجوه المفزعة الذين اختبأوا يتلصصون من بين الأشجار يترقبون حركة الرجل الأبيض وهو يغادر جزيرتهم ويصطحبون معهم " ابن الحوت " الذي كانوا قد أحبوه بصدق هم أيضاً!!!

إلا أن رجال القبيلة لم يكن وحدهم الذي أحبه بصدق .. كما لم يكن وحدهم الذي يتلصص من بين الأشجار .. فقد كان هناك في وسط مغارة تطل على ناحية البحر من الشرق ثمة رقيب من نوع خاص ...

غارت عيناه من طول البكاء وقلة النوم حتى تكونت هالة سوداء حول الأجفان وقد تورمت

جلس القرفصاء على أرضية المغارة يتدلى من على خصره غمد سكين فارغ!!

ويعض بطرف أسنانه ركبتيه وكأنه يقشرهما من فرط القلق، وقد لف يديه حول ساقيه وشعره الأسود الطويل قد سقط نصفه على أرضية المغارة السرية التي كانت الأشجار الكثيفة المتسلقة تخفي مدخلها بشكل محكم.

إنه المكان الوحيد الذي لم يكن يعرفه أحد على هذه الجزيرة إلا كريم .... وغيوم بكل تأكيد.

كان القائد سميع الرحمن يلقي النظرة الأخيرة داخل الكوخ للتأكد من أنهم لم يخلفوا وراءهم شيئاً ذا بال .. سوى المحول الكهربائي الثقيل الذي يبدو أنه مصنوع باليد.

وكان قارب صغير على حد الشاطئ ينتظره وقد توسطه السيد حمدان وكريم الذي لم يكن يكف عن الحديث الخافت مع أبيه يقنعه بأمر ما لم يكن أحد يفهمه أو يتسرب إلى مسمعه جملة مفيدة تبينه.

وما هي إلا دقائق بطيئة حتى سمع سكان الجزيرة صوت صافرات الانطلاق تنبعث من فوهة القارب الكبير والصواري ترتفع أشرعتها البيضاء العريضة وقد سدت الأفق وظهر وكأنه جزيرة عائمة تتحرك ببطء وتدفع موجات من الماء الأبيض باتجاه الساحل.

على الشاطئ كان رجال القبيلة يحبسون أنفاسهم بحزن وأسى لرحيله وهم يشيعونه بأبصارهم حتى اللحظة الأخيرة ..

وفي المغارة كان الوضع أكثر حزناً وتأثيراً .. ولوعة.

أما في القارب فكان الجميع يتهللون فرحاً باستثناء كريم الذي أغلق على نفسه غرفة والده وهو يتحدث إلى أبيه ويتوسل .. وقد بدأ يشعر بارتخاء موقف أبيه بشكل مغاير عما كان عليه بالأمس .. يبدو أن أباه ازداد قناعة بإمكانية أن يقبل بغيوم، ويبدو أنه لم ينم البارحة إلا وقد ناقش المسألة من عدة زوايا وبكل عقلانية وحكمة .. لعل من أهمها أنها اختيار ابنه بنفسه .. وأنها قد تكون أصدق له بمشاعرها من غيرها وأنها يقيناً ليست تطمع في شيء من ثروته عبر بوابة كريم .. كان يدرك هذا ويفهمه، ويفهم في الوقت نفسه أن إجبار كريم على زوجة من اختياره هو أو اختيار أمه قد لا يكون بالقرار الموفق. إلا أنه بشكل أو بآخر كان يريد أن يتأكد بكل جلاء أن كريم عازم بالفعل على قراره ذاك وأنه ليس ثمة موانع على الجزيرة من زواجه بها .. ومن اصطحابها معهم بكل تأكيد.

صمت قليلاً يفكر ..

ثم أطرق برأسه إلى الأرض ولم يجب على سؤال كريم الأخير حين قال له: أبي ...

هل لك أن تقبل يدي أمي بالإنابة عني!!!!؟؟؟

ثم خرج كريم ولم يغلق الباب وأنفاسه ثائرة وصعد السلم باتجاه سطح القارب الذي كان قد سار أمتاراً ليست بالبعيدة وسط البحر .. ولم يلق أية نظرات في وجه أخته رغد التي قابلته فزعةً على درجات السلم وهي تسمع صوته يرتفع في غرفة أبيها .. بل ولم يقف كثيراً أمام سيرين التي قابلته على السطح إلا أنه خطف من يدها السكين الحمراء التي يعرفها جيداً لكنه لم يكن يجد تفسيراً كيف وصلت إلى يد سيرين!!!

كل الذي يتذكره أنه سألها بكل انزعاج وحدة: ما الذي جاء بسكين غيوم هنا!!!!؟؟؟

وكل الذي تذكره سيرين أن كلماته تلك كان وقعها جلل وتأثيرها كالصاعقة في نفسها، فقد أدركت أخيراً أن هذه السكين سكين غيوم، وأن الذي أنقذها من موت محقق وسط الأشجار ما هو إلا غريمتها الفاتنة التي ظهرت في عالمها دون إذن .. وهذا يعني لها شيئاً جديداً لم تكن تتحسب له ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير