تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالأرض هي مصدر الرزق الاول والحياة للانسان في كل زمان ومكان اذ عليها يبقى ويبني حضارته ويتحدى كل شيء غريب يحاول طمس تاريخه وشخصيته ومن اجل الارض يدفع الانسان كل غال ونفيس، فالأرض والحفاظ عليها يعني وجود الانسان وضياعها يعني عدمية كل شيء فللأرض مكانتها في كل اداب الشعوب ودرويش من الشعراء الفلسطينيين المبرزين الذين يتشبثوا بالارض واعطوها ميزة في شعرهم اذا احاط درويش بهذا الموضوع احاطة تامة وصور الارض وجعلها مغروسة في النفس حتى وصفه الخطيب بأنه حراث الارض الشعري (الا ان من اختص في فلاحة الارض الفلسطينية فلاحة شعرية رائعة ومخصبة هو دون منازع محمود درويش ... ان هذا حقله وهو حراثه وناطوره ومغنيه .. انه حقله بمعنى الحقل وليس غابته البرية الصماء ما يريده هو ان يتوحد مع الارض وليس مع الطبيعة مع الارض في اتصالها المباشر بالانسان وفي موتها وبعثها المتجددين على هيئة الانسان وصورته وليس مع الطبيعة بذاتها لأن الارض هي التي تعطي الطبيعة اللون والرائحة والطعم) (7).

فالتمسك بالارض عند درويش موقف انساني وموقف وطني غير معزول عن الامتداد القومي وهذا ما اعطى الشاعر هوية واضحة المعالم بصفته يدافع عن حقوقه التي يرفضها المحتل ويحاول طمسها.

سجل انا عربي

انا اسم بلا لقب

صبور في بلاد كل ما فيها

يعيش بفورة الغضب

جذوري

قبل ميلاد الزمان رست

وقبل تفتح الحقب

وقبل السرو والزيتون

وقبل ترعرع العشب

أبي من اسرة المحراث

لا من سادة نجب

وجدي كان فلاحا (8)

بهذه الحوارية التي لا نسمع فيها الا صوتا واحدا وهو صوت الشاعر، نلمس تشبثا مغروسا في النفس وجوابا لسؤال جاء بصيغة الامر (سجل انا عربي) هو الموقف الثابت من انسان يستجوب وفي ظروف يعرفها الجميع ما هو الا تجسيد لحالة الرفض الجماعية التي يتحلى بها اهل تلك الارض وصوت الشاعر هنا يصرح علانية بالانتماء المفعم بالايمان ...... الانتماء للارض من خلال الانتماء لاسرة المحراث فالمحراث وهو احد ادوات خدمة الارض وشقها والفلاح الذي يستخدم تلك الاداة ليس سوى حالة انتماء تنم عن ذهنية واضحة ثرية فالارتباط بين الفلاح والارض ارتباط عميق الصلة لا يعرفه الا هو ذات الفلاح فهنا نرى ان الاسم واضح جلي الوضوح (انا عربي- اسم بلا لقب) وهذا يعني عدم الزيف بالموقف وكل ما في القصيدة واضح بين فالمفردات لها دلائلها اذ لم يختر بعض المسميات من العبث - (جذور، سرو، زيتون ... ) فالمتمعن في مفردة الزيتون يجد انها تدل على الاصالة بمعنى آخر انها رمز للوطن للارض لفلسطين على الرغم من ذلك نجد ان شجرة الزيتون زرعت من قبل صاحب الارض، فالانسان اقدم من كل المسميات ومن مفردات الطبيعة والسرو هذه النبتة التي تمتد جذورها افقيا بعكس شجرة الزيتون التي تمتد جذورها عاموديا والتي لا تجد الاعتناء الا في المناطق الحرجية وهي من الاشجار التي لم تعرف الا فيما بعد وكأنه يريد ان يقول انه لا يبقى على الارض إلاّ كل شيء اصيل منتم للارض واصحابها اصلا او ان كنا نجد ان الارض تتقبل كل شيء وافد او غير وافد لكن البقاء والاعتناء دائما للرمز (الزيتون) فالحالة الطارئة سرعان ما تزول وان دامت والثبات هو لصاحب الديمومة الذي يروي تلك الارض لا الدخيل.

ولم يفلسف حلمه

لم يفهم الاشياء

الا كما يحسها .. يشمها

يفهم، قال لي .. ان الوطن

ان احتسي قهوة امي

ان اعود في المساء

سألته والارض

قال: لا اعرفها

ولا احس انها جلدي ونبضي

مثلما يقال في القصائد

وفجأة رأيتها

كما ارى الحانوت ..

والشارع ... والجرائد (9)

وهنا نرى الشاعر هو السائل وليس المسؤول، ولكنه يجيب على لسان المسؤول الذي هو دخيل على الارض فالشاعر هنا له فلسفته في السؤال وصيغة الجواب، فعدم فلسفة الحلم لدى الانسان الوافد المسؤول من قبل الشاعر حالة لم تخلق من العبث بقدر ما جاء للتدليل على صحة موقفه الذي يخرج الى ان الانسان الوافد على الشيء لا يكون له حلم ولا رؤيا فلسفية مثل الذين يتمتعون بحياة غير حياة الوافد المواطنة الحقيقية ان الارض وهي العامل الفاعل الكبير من الطبيعة موقف الناس منها مختلف فالانسان الذي جبلت الارض من دمه وجبل كيانه من طينها له نمطية معينة متأصلة في فحوى فلسفته الرؤيوية عكس ذلك الانسان الذي يتصف بتلك الصفات اذ تشكل الارض لدى الشاعر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير