تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اعماق الطبيعة مثل هذه الحالة لا نلمسها عند درويش وهي ان تكون الطبيعة اساس بناء القصيدة او بمعنى آخر تكون هي (الكل) في قصيدته ففي تلك البنية الكلية لا نجدها عند درويش وانما نجد المغزى يلوح وراء المفردات التي تكون الطبيعة هي المقصودة فيها.

انا يوسف يا ابي، يا ابي اخوتي لا يحبونني، لا يريدونني بينهم يا

ابي يعتدون علي، ويرمونني بالحصى والكلام، يريدونني ان اموت لكي

يمنحوني، وهم اوصدوا باب بيتك دوني، وهم طرودني من الحقل

هم سمموا عنبي يا ابي، وهم حطموا لعبي يا ابي، حين مر النسيم ولاعب

شعري غاروا وثاروا علي وثاروا عليك، فماذا صنعت لهم يا ابي

الفراشات حطت على كتفي ومالت على السنابل

والطير حلق فوق يدي فماذا فعلت انا يا ابي، ولماذا انا؟

انت سميتني يوسفا وهم اوقعوني في الجب، واتهموا الذئب،

والذئب ارحم من اخوتي، ابت

هل جنيت على احد عندما قلت اني

رأيت احد عشر كوكبا والشمس

والقمر رأيتهم لي ساجدين (91)

فلو تتبعنا تلك الاسطر الشعرية لوجدنا مفردات استيقت من الطبيعة ولكل مفردة مدلول خاص بها (حصى، باب، بيت، حقل، عنب، سم، لقب، نسيم، شعر، فراشات، كتف، سنابل، طير، يد جب، ذئب، اخوة، كوكب، شمس، قمر) فهنا نجد عشرين مفردة ولكل مفردة معنى ومغزى في الطبيعة يبدو من خلال السياق العام للقصيدة فالعلاقة بين يوسف واخوته علاقة استلابية سلبية غير ايجابية اذ ظاهرة العداء واضحة جلية فيوسف صاحب (الصورة) البريئة يكن الود لاخوته وهم يناقضون تلك العلاقة فيكنون العداء المطلق ويحاولون قتله (فأوقعوه في قعر البئر) واتهموا الذئب بدمه فالذئب يحمل صورة الافتراس والعداء لجميع الحيوانات اذ لا يكتفي بجزء من الفريسة بديلا عنها كلها فالذئب عدو يوسف ولاخوته لكن ذلك العداء تناساه الاخوة واصبح ركيزة ذريعة من اجل خلاصهم من يوسف فأدى بهم ذلك الى صنيعهم المشؤوم مما حمل الضحية يوسف على التسليم بأن الذئب بشراسته وشرهه ارحم من اخوته وهذا الكره بين الضدين تقابله علاقة الوئام بين الأب ويوسف وهي العلاقة التي خلقت حالة الثورة المبتناة على الحقد والضغينة التي عاشها اخوة يوسف، فصورة يوسف والسنابل تتمايل متكئة عليها والفراشات التي تحط على كتفه، تدلل على الوئام بين الموصوف والطبيعة وعدم الوئام بين الاعداء (الاخوة) والطبيعة اذ يحاولون قتل كل شيء جميل مفيد وتحطيم اللُّعَب، وتسميم العنب، وقتل يوسف الذي تستأنس به السنابل والفراشات والطيور ونسمات الهواء التي تمر على جسده بالهوينا (حين مر النسيم ولاعب شعري) هذه الصفات حاولوا قتلها بواسطة العدو المتكامل - عدو الجميع الذئب). وعلى الرغم من مستويي العلاقة مع الطبيعة (سلبي، ايجابي) فاننا اذا ما اعدنا النظر في القصيدة من جديد سنرى ان الشاعر لا يريد الطبيعة من خلال ذكر بعض مفرداتها بل يريد اثبات شيء آخر من خلال تلفظه بتلك المفردات فها هنا نجد ان ذكر مفردات الطبيعة تمثل حالة تعبيرية يريدها الشاعر وهي تبيان حالة الضياع التي يحياها اخوة يوسف وحالة الامل التي يعيشها يوسف اذا جاز لنا ذلك، فالشاعر لا يريد الطبيعة بعينها ونستطيع ان نتخلص من بعض المفردات ونضع مفردات غيرها في تلك القصدة ويبقى المعنى واضحا سليما لا تهتز صورته وان كنا سنفقد جرسا وايقاعا موسيقيا من خلال استبدال مفردة بمفردة لان لكل مفردة ايحاءاً وجرسا خاصا مختلفا عن الايحاء الناتج عن نسج مفردة من المفردات الجديدة مع غيرها من المفردات فهنا نجد ان الطبيعة او مفردات الطبيعة ليست ركيزة اساسية في بناء القصيدة.

درويش لا نعدّه في تلك القصائد التي تجنح نحو الطبيعة ليستاق رموزه منه بل نجد هذه الحالة الايقاعية والسلاسة في التعبير والغنائية الرقراقة .... بها مفرداته الشعرية وقلة من الشعراء الفلسطينيين يتمتعون بهذه الخصوصية

ساحل يلتف كالافعى على اجراس خصر الراقصة

وملوك توجوا البحر باكليل الزبد

ايَّ شيء ينتهي في هذه اللحظة في هذا الجسد

اي شيء يبتدى (02)

ويقول:

وعلى حبل الزغاريد يلاقي فاطمة

وتغنى لهما

كل اشجار المنافي

ومناديل الحداد الناعمة

ذبل العاشق عينيه

واعطى يده السمراء للحناء/ والقطن النسائي المقدس (12).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير