تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالطبيعة المجردة منتفية في اشعار درويش اذ لا تهمه مجردات الطبيعة ولا يعمد الى وصف حالة التجريد فيها لا كما هي ولا كما هو يريدها ان تكون لوصفها كفنان ملتصق بها وانما يسخرها لما يراه مناسبا لخلق حالة اما انفعالية او تعبيرية علما ان الطبيعة عند درويش بحالة معنية ان كانت هذه الحالة ذاتية تعبيرية او موضوعية بمعنى ان الاثر الخارجي على الذات يظل حاضرا وان كنا لا نستطيع ان نمايز بسهولة بين ما هو خاص وما هو عام في اشعاره من هنا نستطيع ان نقول ان ذات الشاعر (الأنا) صهرت مع هموم الشعب لذا نجد ان العامل السياسي هو الدافع القوي الذي يؤثر في صيرورة القصيدة لدى درويش وفي جنوحه نحو الطبيعة كما نرى انه يمعن بالتحري عن ذاته المفقودة من خلال اشعاره التي يريد من خلالها خلق حالة معينة الا وهي الحياة من خلال وطن ذي طبيعة معينة والطبيعة سخية عليه بمعنى اننا نرى صورها الطبيعية في يده وانه يستطيع ان يخلق حالات شتى يريدها وان كانت تلك الحالات تعبيرية ولم يتول الطبيعة بالتعليل والتحليل والمقارنة كما فعل اهل الشعر المهجري والرمانسيون.

صديقي، اخي، يا حبيبي الاخير اما كان من حقنا ان نسير

على شارع من تراب تفرع من موجة متربة

وسافر شرقا الى الهند

سافر غربا الى قرطبة

اما كان من حقنا ان ننام ككل القطط

على ظل حائط

اما كان من حقنا ان نطير ككل الطيور ككل الطيور الى تينة متربة (22)

فهذه المعادلة الواضحة بين درويش وبعض مفردات الطبيعة التي نرى من خلالها الطيور طليقة تغدو وتعود بحيرة تامة وتأخذ ما تشاء مع الحيوانات الاخرى (اليفة- وغير اليف) هذه الرؤية التي جعلته يقارن بين وضع الانسان المحروم من كل اللمسات التي يتمناها او يتمتع بها ابسط مخلوق من تلك الحيوانات التي تتميز بحيرة تامة وهو ما اخذ بالشاعر الى ذكر الارض وقرائنها (تراب، غبار، شارع، حائط ... هذا الاحساس بالحرمان هو الدافع الاساس لخلق مثل هذه الصور.

فالعامل الانفعالي الجواني العاطفي (الحرمان الاجتماعي) بكل قرائنه هو الذي ساعد درويش للتعبير عن حالته بمثل هذا القول اما كان من حقنا ان نطير ككل الطيور الى تينة متربة هذا الحنين الجارف الى خلق كينونة نجده دائما واضحا جليا ببساطته وصدقه وهو ما جاء على صيغة سؤال تهكمي والتمني لان غير الطبيعة هو المقصود كما ان اللجوء الى الطبيعة عند درويش لم يأت من العبث ولا من حالة فراغ (ذهني- ايجابي) وذلك لان الطبيعة بمفرداتها ومدلولاتها تستطيع ان تستثمر من قبل الشاعر وتسخر لايصال فكرته التي يريد هذا ان لم يرد الطبيعة بحد ذاتها بل الرمز الذي تؤديه الطبيعة دائما لا يأتي من العبث وانما يخلق من خلال عملية التفاعل بين ذات الشاعر والطبيعة هذا التفاعل يمكن ان يكون حقيقيا بمعنى حبا للطبيعة وذاتها او ان يكون تعبيريا بمعنى يريد الشاعر الحالة الرمزية التعبيرية للطبيعة ليعبر من خلالها عما يجول في مكنوناته من افكار وقيم يريد توصيلها للناس هذا من ناحية ترابط الطرف الاول من المعادلة الا وهو الشاعر مع الطبيعة كما نرى الطبيعة قريبة في كل الاحوال من الطرف الثاني (المتلقي) اذ تكون عاملا ايجابيا اذ سهلت مهمة التوصيل التي يريدها الشاعر للمتلقي، عندما يخلق الشاعر حالة ابتهاج لدى الانسان حين يعمد للطبيعة ويمكن تكون الحالة سلبية مع الطبيعة من حيث الموضوع المطروق من قبل ...... فعلى الرغم من ذلك يبقى للطبيعة لدى قطبي المعادلة (الشاعر- المتلقي) وقع خاص، فبعض الشعراء يعمد للطبيعة يلونها بألوانه ويصورها بصوره كما يشاء اذا اراد الطبيعة بذاتها لكن اذا كانت الحالة الانفعالية هي الرابط بين الطبيعة والشاعر فان الشاعر انما يريد الرمز وما بعده في هذه الحالة.

يفتش كفي ثانية فيصادر حيفا التي

هربت سنبلة

ويا اهل الكرمل

الآن تقرع اجراس كل الكنائس

وتعلن ان مماتي المؤقت لا ينتهي

دائما، او ينتهي مرة

ايها الكرمل، الآن تأت اليك العصافير من ورق

كنت لا افرق بين الحصى والعصافير

والآن بعث المسيح يؤجل ثانية

كأن الاحبة دائرة من طباشير

قابلة للفناء، وقابلة للبقاء

وها نحن نحمل ميلادنا مثلما تحمل المرأة العاقر الحلما (32).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير