تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التحوّلات خاصّة حين تتلاقح الذوات استجابة لتفاعل الحضارات والثقافات ومن هنا يبدأ التغيير في المجتمع، و التغيير هو أساس الحضارة حسب قول ابن خلدون في مقدمته، وأكّدها مالك بن نبي وحين يحدث التغيير يحدث التجديد في الرواية بدون شك.

ولو رجعنا إلى الوراء مع العصر العبّاسي الأوّل لو جدنا هذا العصر من أزهى عصور العربية ثقافة وفكرا وتصورا لأنه امتزج بثقافات متنوّعة وحضارات متعدّدة فساعد في تجديد اللغة وأسلوبها وتطوّر النثر إبداعا وخلقا في أسلوبه وتراكيبه وعباراته، وزخر معجم اللغة العربية وتوسّعت ألفاظه ودلالاته، وأصبحت اللغة العربية أكثر خصوبة وثراء بفعل هذه العوامل التي أثّرت إيجابا، ومّست جميع النواحي الفكرية والعلمية، ولو وقفنا عند عصر النهضة لوجدنا أن المطبعة والاحتكاك الذي وقع مع الغرب، يمثّل قفزة نوعية في عالم الإبداع والفكر خاصة مع عصر المعلومة التي تمثل مرحلة جديدة يحقّق فيها الأدب عامّة والرواية خاصّة ما يجعلها أكثر قوّة وتنوّعا، لأن المعلومة في حدّ ذاتها هي هاجس الرواية ونواتها الدلالية والحكائية ويكون السرد فيها موازيا لأحوال طقسها الداخلية، لأن الرواية ستجد ما يغريها ويثيرها جرّاء هذا الزخم المعرفي المتواصل الذي يمدّها بتلك الشحنة الدلالية المنتقاة من صميم البيئة المحلّية التي يتنفّس النص هواءها.

وتتنوّع عوالمها الحكائية وأنسا قها البنائية وتجد المادة الخام التي تثري عملية السرد بدون الحاجة إلى التكرار أو الإطناب أو الاجترار الذي يذهب بالعمل الإبداعي ويقتل بريقه.

والرواية بهذه الطريقة ستلد من حاضن ثقافي متعّددا ومتنوّعا بالخصائص الوراثية المتشكّلة من أنماط عدّة تثري المولود الجديد بجينات جديدة لا عهد له بها من قبل.

إضافة إلى خصائصه البيولوجية المتجدّدة تبعا للقاعدة العلمية التي تقول .. أن كلّ مولود يلد بشخصية جديدة مستقلّة إضافة إلى خصائصه الوراثية البيولوجية التي تربطه بالأصل،فكذلك النص مثله مثل الكائن الحي الذي ينمو ويتطوّر،هنا ك أشياء يرثها وأشياء أخرى كثيرة يكتسبها من المجتمع،هذا المجتمع الذي يعدّ لحن قرار الرواية وأساس تثويرها،كما يمدها بالشخصية الرمزية المركزية النازلة بثقلها على جسد الرواية التي تبقى مترجّحة بين التذكّر والبوح الذاتي والتداعي والوصف الإخباري، وتبقى في العمق لغة مشحونة في الباطن مثل رواية "موسم الهجرة إلى الشمال " للطيب صالح هذه الرواية التي بقيت لغزا في تركيبها وبنائها وشحنتها النارية العنيفة من خلال شخصية.مصطفى سعيد "،وإذا كانت هذه الرواية تمثل قمة الصراع بين "الأنا" و"الآخر" بين شاطىء الحداثة و شاطىء القدم،شمال وجنوب،وهذا ما دفع بشخصية "مصطفى سعيد " هذه الشخصية التي هي من صنع بريطانيا تكوينا وثقافة ولغة أن يتنازل عن كل شيء بعد قتل زوجاته والانتقام منهنّ و العودة إلى أرض الوطن، إلى قرية في جنوب السودان،وتبقى العبرة في النهاية بالنص المشحون بالدلالات الموحية والرموز المتشابكة التي تعبّر عن تلك الثنائية "شرق وغرب" ظمأ وارتواء" "جنوب وشمال ' غنى وفقر" ''شمس استوائية وبحور باردة " تتعدّد الصور على هذا النحو .... ورغم وصول هذه الشخصية إلى مرمى الطرف الآخر في الشمال إلاّ أن الهوّة تتّسع والمسافة تكبر فينقلب الأمرالى المجابهة والصّراع وتنكّسر تلك الرّغبة الجامحة المعبّر عنها بلسان مصطفى سعيد "أنا جنوب يحن إلى الشمال " جنس يسعى إلى جنس لتتزاوج الأرواح وتتلا قح ويحقق الفتى الطموح مبتغاه ويعانق أوربا ويشمّ رائحتها ويذق طعمها

... ولكنه يفاجأ بصليل سيوف الرومان فيتحول إلى فارس عربي موغلا بفتح الثغور فيثأر ولكن ثأره يدفعه إلى العودة من حيث أتى فارغ اليدين إلا من بعض الكتب والأدوات ليعود إلى أرض"الجد أحمد" أرض القدم والجفاف والمرض ولانجد لها تعبيرا أحسن من لغة وأسلوب الطيب صالح في قوله "كشجيرات السيال في صحاري السودان سميكة اللحى حادّة الأشواك تقهر الموت لأنها لا تسرف في الحياة" ويستقرّ المقام بمصطفى ويتزّوج حسنة بنت محمود، لكنه يختلف عن بقية الناس هناك حيث حاول الجمع بن الحداثة والقدم من خلال بيته المقسم إلى قسمين "شرق وغرب " لكن لا يطول المقام بمصطفى ويموت ميتة غامضة يختفي فجأة هناك، بعد أن نقل العدوى إلى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير