تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حسنة بنت محمود التي آثرت الموت انتحارا، ويحل محل مصطفى "الراوي" الذي يقف قطبا يقابل قطبا آخرا يمثله الجد أحمد ويستمر القطبان في تدافع وتجاذب مناخ يسعى إلى مناخ حتى إذا قرب التزاوج انقلبا إلى رعد و برق ... عناق يتحّول إلى خناق، وتبقى القضية مطروحة ـغرب مسحور بالشرق، وشرق مسكون بالغرب ولكن المشكلة كيف يتلاحم الجسد و يتوحّد البشر.

فمصطفى سعيد كلما نجح في جلب الطرف الآخر و أوهمه بسحر الشرق، تكون النهاية فاجعة أليمة تنتهي بالانتحار ويبقى " هو" دائما الشيء الآخر أو "الأسود المختلف وتنتهي الرواية بموقف الراوي، وهو يصارع المياه بين الشمال والجنوب، وانتهت بطلب النجدة، ا لنجدة .. ولهذا "فالهوية الذاتية المنخرطة في الهوية الخيّالية مهددة على الدوام بفعل تغيّر الزمن والأشياء والحدود، خصوصا إذا لم يعد الواقع يستجيب للصورة التي تحملها عن نفسها " والأفكار تفعل فعلتها في الإنسان، بدون أن يشعر .... فقد تتوغّل في الباطن و تظهر بتلقائية دون إرادة أو وعي وهذا ما وقع لمصطفى سعيد، في رحلته وبعد عودته، وكذلك مع " شخصية الراوي " الذي عجز أن يكون مثل " الجد أحمد" ونفس العدوى نقلت إلى " حسنة بنت محمود " أثناء زواجها الثاني الذي انتهى بانتحارها وقتل الشيخ مجذوب.

و المتأمل لما كتبه " الطيب صالح " في رواية الموسم يلمس هذا التفاعل الثقافي الذي أهّل الكاتب أن يقتّنص مادّته الحكائية ويشغّلها لغة ورؤية وبناء،وأن يعتصر الذاكرة و يستقطر ما فيها ثقافة وحضارة وفكرا ورؤى حيث استطاع أن ينبش في الأراشيف والأدراج الماضية، ويخرجها من ذلك الشحوب اللغوي والضمور الحسيّ للتراث إلى رواية حيّة نابضة بالحياة، ... فكان للرواية صخبها الحكائي المثير و الجديد على الرواية العربية.

وإذا كان "الطيب صالح" قد أثار تلك الهوّة السحيقة بين الأنا والأخر من خلال شخصياته النارية العنيفة التي لا يخمد ثأرها إلا بالنار والدمار .... فالسبب يعود إلى ذلك الجدل التاريخي المبطّن في لا وعي الإّنسان وهذا ما جعل بطل الرواية ومحورها "مستر مصطفى سعيد"يتحوّل إلى فارس من فرسان العرب يحمل قوسه ونبله ورمحه ويفتح القلاع ويصارع الأعداء،فحضارة أوربا المسيحية لم تليّن طبيعته البدوية التي ألفت الخشونة والقسوة .. والطيب صالح استخدم هذه اللغة التعبيرية المرتبطة.

_بحياة الحلّ والترحال مثل قوله "ضرب خيمته وغرس وتده"

ولكن هل شخصيات "الطيب صالح" ينقصها الحوار الذي يؤدّي" إلى التفاهم.

نقول نعم بدليل "سلوك مصطفى سعيد الذي يعتمد على الكذب في كل شيء حتى يوقع فريسته، وهو الذي يقول "كنت أكذب حتى أدخل المرأة إلى فراشي "،"ورغم إدراكي أنني أكذب فقد كنت أحسّ أنني بطريقة ما أعني ما أقول ....... "

مصطفى سعيد يتكّلم عن سحر الشرق، والشمس الاستوائية، وحياة التماسيح والأسود ..... والغرب مهووس بسحر الشرق، ولكنه رغم ذلك يعترف بالكذب والنفاق ولم يتح لغيره التعّرف عليه، و إن تلاحمت الأجساد فلن تتلاحم القلوب.

ـ وإذا كان الطيب صالح قد كتب روايته في وقت متقّدم من هذا الاحتكاك بين الشرق والغرب الذي هو أقرب إلى الاكتشاف والذهول من هذا الآخر المختلف، فإن جسور التقارب قد قلّلت المسافة بين الأنا والآخر وتّقلصت المسافة وأذيب الكثير من الجليد، وأصبح التعايش أمرا ضروريا فرضته طبيعة الحياة ومستلزماتها القائمة على الشراكة والحوار الذي يؤدي إلى التفاهم وبالتالي معرفة الآخر والتعاون معه.

والحوار لا نعني به الجدل أو التناظّر بقدر ما نعني به الحوار الذي يؤّدي إلى معرفة الآخر والتفاهم معه أو على الأقل احترام وجهة نظره المختلفة وهويته المغايرة لأن "الاختلاف بين البشر لا يؤدّي حتما إلى العداوة " يقدر ما يؤّدي إلى الثراء والتنوع والتعدّد، وتلك سنّة الله في خلقه، وقد آن الأوان أن تتقارب الشعوب وتّتصل وتتفاهم وهذا تحصيل حاصل فرضته وسائل الاتصال السريعة وطبيعة العولمة التي ربطت بين القارات في دولة واحدة، وفضاء واحد، ومن هنا بدأت "فضاءات الحوار العينية تتأسّس على اللقاء وتبادل المعارف والخبرات، ونقل التكنولوجيا بل واستنباتها فوق أرضية الواقع دون حدود أو قيود لتتحقّق بذلك الإنجازات المشتركة التي تصون الدول والشعوب "

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير