تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما قوله (صلى الله عليه وسلم): (لئن يمتلئ جوف احدكم قيحاً حتي يريه خير له من أن يمتلئ شعراً) فالمقصود به الهجاء كما روي عن زوجة النبي عائشة (3).

وأما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فقد تخاصم اليه بعض الصحابة في شأن الشعر وأي الشعراء هو الأفضل، فقال: كل شعرائهم محسنٌ، ولو جمعهم زمان واحد وغايةُ واحدةُ ومذهب واحدٌ في القول لعلمنا أيهم أسبق الى ذلك وكلهم قد أصاب الذي أراد وأحسن فيه وإن يكن أحدٌ فضلهم فالذي لم يقل رغبةً ولا رهبةً أمرؤ القيس بن حجر فإنه أصحهم بادرة ً وأجودهم نادرةً) (4).

وكان يقول: الشعر ميزان القول وروي ميزان القوم، ولأمير المؤمنين أشعارٌ كثيرة منثورة في بطون أمهات الكتب وهي أكثر وأشهر من تخفى على أحد.

وكان الخليفة الثاني عمر (رضي الله عنه) يقول: (الشعر علم قوم لم يكن له علم أعلم منه) وكتب يوماً الى أبي موسى الاشعري: (مر من قبلك بتعلم الشعر فإنه يدل على معالي الاخلاق وصواب الرأي ومعرفة الانساب) ويروى أنه سأل كعب الاحبار هل تجد للشعراء ذكراً في التوراة؟ فقال: (أجد في التوراة قوماً من ولد إسماعيل أناجيلهم في صدورهم ويضربون الامثال، لا نعلمهم إلا العرب).

وأئمة المسلمين على عظيم شرفهم ورفعة قدرهم قالوا الشعر ونظموه حتى نسب ديوان شعري الى امير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، وللإمام الحسين أبيات شعرية قال بعضها في رثاء أخيه الحسن (رضي الله عنه) كما هو مذكور:

أأدهن ُ رأسي أم تطيبُ محاسني ** وخدكَ معفورٌ وأنت سليبُ

أأشربُ ماء المزن من غير مائه ِ ** وقد ضمنَ الاحشاء منك لهيبُ (5)

وله قصائد كثيرة يوم عاشوراء.

وكان الامام الصادق يقرب الشعراء ويكرمهم أمثال الكميت الاسدي ودعبل الخزاعي والسيد الحميري وروي عنه:

لا تجزعن من المداد فإنه ** عطر الرجال وحلية الآداب ِ

ومن طريف ما يذكر هنا أن الامام الصادق كان يعلم ابنه الكاظم الشعر وهو صغير فطلب منه أن يجزئ قوله:

تنحّ عن القبيح ولا تردْهُ ** فقال الكاظم:

ومن أوليتهُ حسناً فزدْهُ ** فقال الصادق:

ستلقى من عدوّك كل كيدٍ ** فقال الكاظم:

إذا كاد العدوّ فلا تكدْهُ **

وقد فصل القيرواني فصولاً في كتابه العمدة للرد على من يتعصب ضد الشعر ويحرمه ونذكر هذه الابواب هنا للرجوع اليها للفائدة:

1 - باب في فضل الشعر (العمدة 1/ 7)

2 - باب في الرد على من يكره الشعر (العمدة 1/ 14 2)

3 - باب في أشعار الخلفاء والقضاة والفقهاء (العمدة 1/ 19)

وأما الجرجاني فقال: ان حجة القران الكريم التي حاج بها انما هي الفصاحة التي تقصر عنها قوى البشر ولا يمكن ان يعرف ذلك إلا من خلال الشعر الذي ديوان العرب وعنوان الادب والبحث في العلل التي بها كان التباين في الفضل بين شعر وغيره (6).

وقيل لسعيد بن المسيب: إن قوماً بالعراق يكرهون الشعر، فقال: نسكوا نسكاً أعجمياً، وقال ابن سيرين: الشعر كلام عقد بالقوافي فما حسن في الكلام حسن في الشعر، وكذلك ما قبح منه.

وسئل في المسجد عن عن رواية الشعر في شهر رمضان، فقال:

نبّئتُ أنّ فتاةً جئت أخطبها ** عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول ِ

وكان أبو السائب المخزومي وهو رجل علم ودين يقول: أما والله لو كان الشعر محرماً لوردنا الرحبة كل يوم مراراً (الرحبة هي المكان الذي تقام فيه الحدود)

وكان الحسين بن عبد السلام المصري المعروف بالجمل من الفقهاء ومن رواة الحديث، كما كان أديباً شاعراً ومن أروع شعره:

إذا أظمأتك أكف اللئام ** كفتك القناعة شبعاً وريّا

فكن رجلاً رجلهُ في الثرى ** وهامةُ همته ِ في الثريّا

أبياً لنائل ذي ثروة ٍ ** تراهُ بما في يديه أبيّا

فإنّ إراقة ماء الحياة ** دون إراقة ماء المحيّا (7)

ومما يروى أيضاً في فضل الشعر أن ديوان المتنبي كان يقرأ على ملك الروم يوماً من الايام فلما وصل القارئ الى قصيدة المتنبي التي مطلعها:

إلامَ طماعيةُ العاذل ِ

والتي يقول في بيت منها في ذم الدنيا:

تفانى الرجال ُ على حبها ** وما يحصلون على طائل ِ

فقال: وحق ديني ما في الانجيل مثل هذه الموعظة (8).


(1) الميزان في تفسير القران/ الطباطبائي/ ج 51 /تفسير سورة الشعراء
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير