تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حيث يجب عليك قبل أن تباشر فعل الكتابة الإبداعي أن تتجرد مما تحمله من أفكار وطروحات، و تكتب تأثير المتعة التي تمنحك إياها جمالية الموضوع المتناول. وهنا، سيتسم عملك بالعالمية والإبداع. وعليه، يكون Kant قد أوجد لغة مشتركة لجميع البشر لتغدو لغة عالمية دون قيود أو سمات تميزها عن غيرها من اللغات السردية التي تختص بشعوب معينة. وربما نستطيع تسميتها بلغة الروح أو مناجاة الذات الإنسانية من خلال التواصل بين ذات الكاتب والتي تمثل في الوقت نفسه ذات القارئ فيكون هذا التطابق، ومن ثم نخرج بلغة لكل البشر. وتستوقفنا بعض الأسئلة بناء على ما سبق: إن كان الأسلوب الجمالي هو الأهم في فعل الكتابة الإبداعي، فأين الرسالة التي يقدمها العمل الأدبي؟

وهل نحن نحيا في عصر مترف وخال من اللون الرمادي؟ وفي ظل حضور كل هذا القهر الذي بات يعايشه الإنسان، هل نستطيع تغييب همومنا وقضايانا وطروحانتنا وما نطمح إليه عن مساحات النص؟ وإذا أراد Kant أن يقول: لا تكتب، بل دع الجمال يكتب عنك! فأين الجمال في عصر القبح والبشاعة الذي نحياه؟ وعليه، يبرز هذا التصادم بين ما يطرحه Kant وما يسمى بـ "نظرية الأدب النسوي" الذي تقوم على تناول قضايا المرأة والدفاع عن حقوقها وحمل الهم الأنثوي عبر مساحات النص.

لننتقل الآن إلى يونج الذي بنى نظريته النقدية والتي تتناول ماهية الإبداع وفعل الكتابة على ما أسماه بـ "" اللاشعور" أو "تيار اللاوعي الجمعي" والذي يمثل مصدر الإبداع الغني، وأن الأديب المبدع يستقي إبداعه من التجربة الأزلية للبشرية. وتولد حالة الوعي الوجودي مع ولادة الإنسان، أما تيار اللاشعور أو اللاوعي فإنه قديم قدم الإنسانية، وقد كشف العلم الحديث عن وجود جينات معينة تقوم بتوريث الإنسان المادة الخام لعلم النفس، وهذا المستوى من اللاشعور تفرزه حصيلة التجربة الإنسانية الجمعية الي يتوارثها معظم البشر عند ولادتهم (عن طريق انتقال تلك الجينات الموروثة ليشترك البشر جميعا فيها) وهذا هو سبب عدم استطاعتنا في أحيان عديدة الوصول إلى كينونة الاضطرابات النفسية والحالات التي نلج إليها في أحلامنا أو حتى في لحظات الصحو والصفاء. مثل رؤيتنا لمشاهد أو صور وأمور تعرضنا لها فقط ضمن مساحات الحلم ولم نرى تلك الصور قط قبل ذلك، ولكننا بطريقة أو بأخرى نستشعر أنها كانت موجودة في أذهاننا ضمن مستوى ذهني نجهله. وعليه، فإن الإنسان يستطيع بطريقة ما الولوج إلى تلك المساحات الأزلية – ذهنيا على مستوى الفكر والروح- فلا يكون هناك سيطرة من قبل الكاتب على عمله الإبداعي لأنه وببساطة لا يستطيع أن يسيطر على تيار اللاوعي ومستوى اللاشعور اللاإرادي.

وبذلك، فإن – يونج- يقوم بالقضاء على الشخصية الفردية للكاتب وصولا إلى الذات الجمعية فلا يتناول العمل الأدبي لدى يونج شخصا واحدا، بل يتناول جميع البشر من خلال طرحه لثيمة إنسانية شمولية.

وبهذا يعد تقوقع بعض الكاتبات ضمن مساحات ضيقة عن طريق الاكتفاء بتناول قضايا المرأة مثل اقتصار بعض الكاتبات على تناول الثيمة النسوية في جميع أعمالها السردية القصصية لمجموعاتها القصصية إلغاء لشرط الإبداع الكتابي الإنساني الشمولي لديهن.

فقضية الظلم الذي يقع على المرأة قضية أزلية قديمة وقد طرأ عليها تغييرات مع مرور الزمن وحالها كحال أي قضية أخرى تزخر بها السيرة الإنسانية حيث تتنامى القضايا وتتغير بمرور عجلة الوقت. ويجب على أي نص أن يستوفي شرطا أساسيا ليتسم بالإبداع وهو أن تكون الرؤية لهذا النص مستقاة من مجموع مساحات اللاشعور الكلية التي وفرتها لنا حصيلة التجربة الإنسانية إلى يومنا هذا بغض النظر عن جنس كاتبه. وهنا تتضح ضرورة طرح الأسئلة التالية:

1 - لماذا تنحصر جميع الأعمال السردية ذات الطابع النسوي ضمن المجموعات القصصية أو الأعمال الأدبية التي تنتجها المرأة؟

2 - ولماذا لا يكون هناك بعض الأعمال السردية التي تتسم بطابع ومحمول نسوي تتضمنها مجموعة قصصية يقوم الرجل على كتابتها؟ وخصوصا أنها ثيمة إنسانية صرفة. وهل يعد هذا خروجا عن النص؟ هذه الاستفسارات بحاجة إلى إجابات من الطرفين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير