تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المرأة بحاجة ماسة إلى الخروج من نطاق زوايا وجدران غرفة نسوية الكتابة والولوج إلى مساحات وأمدية الثيمة الإنسانية مع إفراد مساحة للسرد الذي يتبنى قضايا المرأة ويتناول شؤونها المختلفة والتأكيد على عدم التخلي عن هذا النمط من الكتابة السردية، ولكن أن لا يكون هذا التناول على حساب الإبداع وشمولية رسالة وجمالية هذا السحر المسمى بالأدب. فتقع الكاتبة التي تتناول الثيمة النسوية في أعمالها بشكل حصري في حبائل تكرار الذات وتكرار الطرح والمحمول لأعمالها.

ويتضح مما سبق أن ما يسمى بنظرية الأدب النسوي في عالم الكتابة والإبداع لا يعدو سوى خطيئة ذكورية أفرزتها مجموعة من الظروف والقوالب التي وضعت المرأة ضمنها، مثل حب السيطرة والقهر لدى الرجل والتعسف النقدي الذي تعرضت له نصوص المرأة وإبداعاتها و عدم منحها حق مشروعية الكتابة برفض الرجل لكتابات المرأة لغايات استمرار السيطرة والهيمنة الذكورية، ومنذ ذلك اليوم والمرأة أصبحت تحمل داخلها هواجس قضيتها.

والأملثة على ذلك عديدة ومنها حياة الكاتبة الإنجليزية فرجينيا وولف.

يبدو أنه من الضروري على الدارس الأخذ بعين الاعتبار معطيات العصر الذي عاشت فيه السيدة وولف بكامل حيثياته وموجوداته من معطيات اجتماعية بالنسبة للتقاليد التي كانت سائدة آنذاك، والقيم والحالة الاجتماعية لعائلة السيد لزلي ستيفن (والدها) مما أدى إلى توفر معطيات عديدة كان لها أكبر الأثر في خلق وتشكيل النص الأدبي المشبع بقضايا وهموم المرأة بمختلف حيثياته لدى الكاتبة. وهنا يبرز أثر المجتمع الذكوري المهيمن في شتى جوابنه الاجتماعية والاقتصادية والدينية وغيرها لتلعب دورا جوهريا، فلكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه – وهذا ما يقره علم الفيزياء- غير أن الأمر مختلف في تناولنا للأدب، فنحن نتعامل مع عقول بشرية ذات تجارب شخصية متفاوتة الدرجات بين أفراد البشر. إحدى مسلمات ذلك العصر هو التحاق الفتية بمدارس لينالوا قدرا من العلم ومن ثم يتجهون إلى الجامعات وبالأخص "كامبرج" حيث أن هذا الأمر هو حق مشروع ومكتسب لهم. أما الفتيات وفي أغلب الأحيان لا يسمح لهن بالالتحاق بالجامعات حيث يتوجب على الفتاة أن تتقن في الطبخ والغزل وأساليب الحياة الاجتماعية السائدة لأنها تصلح لشيء واحد وهو الزواج نسبة إلى السائد آنذاك.

وكان لدى فرجينيا أخ يدعى جورج دوكوودث وهو من أب آخر غير لزلي ستيفن، حول حياة فرجينيا إلى جحيم من خلال تحرشه بها. فتحرشات جورج بها قد حطمت عالمها مما حذا بها إلى اتخاذ موقف دفاعي ضد الرجال.

وبهذا يتضح أن حياتها كانت زاخرة بالمعاناة جراء وجود أب طاغية وأخ كجوج دوكووودث، وحرمان أكاديمي وقع عليها وحاولت جاهدة التخلص منه باتجاهها إلى القراءة واعتمادها على ذاتها لحصيل المعرفة حيث عرفت بنهمها الشديد للقراءة. وعرفت فرجينيا أيضا بكرهها للعنف الذي يدل على التسلط الذكوري، وكان العالم مزدحما بالحروب ومتخما بالجبهات في تلك الأثناء:

اجتياح ألمانيا للنمسا وغزو إيطاليا للحبشة عام 1935، وحرب أهلية أسبانية عام 1936 واستيلاء اليابانيون على بكين عام 1937 مما أدى بها إلى تجنب الطرح السياسي في كتابتها.

واتصفت أيضا بحساسية بالغة تجاه النقد، وخاصة كلما شارفت على إصدار أحد أعمالها الأدبية. فكلما انتهت من كتابة أحد أعمالها انتابتها حالة من الذعر والقلق المزمن، ويعود ذلك إلى تجربتها مع النقاد الذين كانوا ينتقدون أسلوبها وانتاجها الإبداعي لمجرد أن مؤلف تلك الأعمال هي امرأة، لا لشيء سواه. ومما سبق، يتضح أنه بوجود هذه العوامل والظروف التي أحاطت عالمها وشكلته وهدمته في الآن نفسه، ومجموع القيود التي فرضها المجتمع والأدباء والنقاد في ذلك العصر مما ولد لديها كما هائلا من النوبات العصبية وحالات الانتكاسات الصحية، وأيضا شعور فرجينيا بالحرمان الأكاديمي وحصول رجال كامبرج على الامتنيازات وتحرشات جورج أدى إلى ولوج الكاتبة إلى مساحات "نظرية الأدب النسوي" من دون قصد وبشكل لا إرادي وغير متعمد منها، فكانت الكتابة لديها محاولة للتصالح مع الذات عن طريق محاولة رفع الظلم الذي وقع عليها. وهذا التعسف الذكوري هو ما أحال المساحات البيضاء لديها ساحة للسجال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير