تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن هنا تتضح أهمية هذه الثيمة الإنسانية التي توصل صاحبها إلى عالمية الخطاب وشمولية الطرح. وبعودة إلى قصة "النافذة" نجد أن العمايرة قد قامت بتوظيف هذه الثيمة والمتمثلة بوجود المصح في بيئة ريفية تدعو إلى السكينة، حيث يؤخذ المصابون باضطرابات نفسية إلى تلك الأمكنة لمساعدتهم على التماثل للشفاء. تقول الأم واصفة المصح "وصلنا ساحة كبيرة مبلطة، لامعة ونظيفة، تظللها أشجار الحور والسرو الخضراء، داخلها مبنى بطابقين اثنين .. ". وباتضاح الاختلاف والتباين في المحمول والرؤية المطروحة ما بين قصة "النافذة" وقصة "ارتباك" نجد أن العمايرة تسجل خروجا من نطاق دائرة الكتابة ذات الطابع النسوي وولوجا إلى مساحات الثيمة الإنسانية المبنية على المحصلة الكلية للتجربة البشرية ضمن المساحات السردية للقصة "النافذة".

لنحاول الآن الانتقال إلى مساحة سردية أخرى بتناولنا للقصة القصيرة "ثوب"، للقاصة جواهر الرفايعة. ربما يتبادر إلى ذهن القارئ لأعمال الرفايعة أنها تكتب القصة القصيرة بيد أن الرفايعة استطاعت أن تستغل مجمل المساحة السردية لتكون القصة لديها بمثابة رواية طويلة تروي حكاية أزلية عهدتها البشرية منذ القدم وعايشها الإنسان مع ولادة أولى الأزمان بتصويرها الوضع الاجتماعي القاتم الذي تغدو فيه المرأة على قيد الحياة في المجتمعات الذكورية المهيمنة، فالفرق شاسع بين أن نحيا وأن نكون على قيد الحياة. يجسد العمل السردي لديها ذاك الاستلاب لحقوق ورغبات وطموحات وحتى أحلام المرأة وصولا إلى تغييب ذاتها ومصادرة كينونتها وعوالمها الداخلية وحتى إن تطلب الأمر محوا لذاكرة الجسد لتمحى الروح ويبقى الجسد.

ونلاحظ أيضا أن هناك مزيجا من الألوان تراشقت فوق المساحات البيضاء لتمنح الحياة للنص، حياة زاهية ومفعمة وحياة أخرى معتمة يملؤها الموت المتمثل بموت الذات للأنثى في القصة وتغييبها عن مساحات السرد. حيث تبدأ القاصة برسم لوحتها باستخدام ألوان زاهية لتعبر الفتاة عن فرحها وحيويتها المفعمة بالحياة، فتقول في أول سطر سردي "كنت أهيم في مد من الخضار" واللون الأخضر هو رمز السكينة والتصالح مع الذات ولون الجمال الهادئ ثم تصف الفتاة تحليق روحها في الفضاء على شكل فراشة ملونة ضمن مساحات الحلم والتي توفرها السهول الخضراء وما تمنحها من سكينة. والفراشة تجمع بين جناحيها مزيجا خلابا من الألوان الزاهية التي تستثير فينا الحياة" "روحي غزالة ترمح في الحلم أن سأتشكل فراشة ملونة .. وأواصل ركضي في الخضار الذي يلف البيت" والفتاة تغمرها السعادة وما أن تهم بالضحك لاستشراقها حياة يملؤها النور- والنور دلالة رمزية لونية ذات بعد إيجابي- حتى يقتل تلك الضحكة صوت ذكوري، فأحلامها هدمت وباتت أطلالا بحضور الكوابيس الذكورية "وحين أهم بإفلات ضحكة لافق واعد بالنور يخنق ضحكتي الجنينية صوت ذكري، إنه والدي! لماذا ياترى يناديني بهذه الحدة! ". وهنا نصل إلى المساحة الحاسمة ونقطة التحول في السرد والتي ترمز لها المساحة البيضاء "اركض بسرعة من خضاري إلى بياض البيت ... " فاللون الأبيض لون نقي سريع التأثير ينم عن صفاء وبراءة.

وما قبل هذه المساحة السردية هي مساحة زاخرة بألوان الحياة والمساحة البيضاء هي المساحة الفاصلة والانتقالية حيث يتغير كل شيء بعد هذا السطر ليغدو السرد سلبيا ومعتما بسواد يغطي جميع الألوان السابقة بما فيها الأبيض. ونلاحظ ذلك من خلال الألوان والمفردات التي تم توظيفها وصولا إلى نهاية القصة والتي تشير إلى هذا الواقع السلبي والقهري الذي تحياه الفتاة، "والدي وأخواتي الغلاظ يتكومون بانتظاري، ووالدتي وأختاي يغسلن أكواما هائلة من ملابس قذرة .. غمز والدي أحد أخوتي الشداد ... عرتني حينها حيرة يشوبها خوف أنثوي ... وضع أخي الغليط كيسا أمام والدي .. صوت والدي يفجر الصمت: تعالي! ... "وتستمر السوداوية "جاءت أختاي بإشارة من والدي ونزعتا عن جسدي الصغير ثوبا قصيرا ملونا بألوان الفراش. حزنت كثيرا وبكبت بمرارة، ذاك ثوبي الجميل أحبه كثيرا. لكن أمي التي لا حول لها ولا طول همست في أذني بجزع: لقد كبرت! أخرج والدي ما في الكيس ... ثوبا أسود طويلا وشال أبيض. مرة أخرى يعاودني ذات الإحساس بأنني ممثلة على خشبة المسرح، أو شاهد صامت وسط رقصة جنائزية. ألبستني أمي الثوب ولفت رأسي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير