تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالنافذة هي مجرد مدخل لأشياء أخرى عديدة حيث يتم توظيف مفردات ذات دلالات مماثلة (باب، درب، طريق، مفترق طرق) وجميعها توحي ببدايات تمنح القارئ مساحة للتخيل وآفاق واسعة – على الأقل لمحاولة التنبؤ بماهية العمل وحداثيوته- أما نافذتنا هنا فهي معبر تنفذ منه خيوط الشمس المنسلة إلى المساحة المكانية التي تحيا ضمنها الشخصية الرئيسية في العمل "من النافذة المشرعة رأيت خيوط شمس العاشرة تتسلل إلى الغرفة" وما تلبث إلى أن تتحول إلى جدار لتضيف مايزيد عزلتها ووحدتها، حيث تغطيها الاتربة فتغدو الأم حبيسة جدران الغرفة الموصدة، ولتخدم تصاعد الحبكة في العمل "الغبار والأتربة بنيا سماكة قاتمة حجبت الرؤية عن زجاج النافذة: نافذتي إلى العالم وصلتي الوحيدة به". وحتى ثقتها بكلماتها تضعف مع التقدم في عملية السرد لتصل إلى مرحلة تعلن فيها فقدانها لكلماتها التي لم تعد تجدي نفعا، مما يشير إلى سوء حالتها النفسية. وتسجل القاصة أيضا تحولا في البنية السردية للعمل، من سرد حداثوي سيكولوجي وصولا إلى النهاية المقفلة التي تحققها كاتبتنا بإنهاء حياة شخصيتها عندما تقوم بالانتحار الغير مقصود واللاإرادي مما يسلب القارئ الفرصة لمحاولة متابعة القصة ما بعد السطر الأخير، حيث تتميز الأعمال الحداثوية بنهايات مفتوحة- في أغلب الأحيان- ليقوم القارئ بمحاولة إقفال. وبذلك تسجل الكاتبة هذا التحول من الإيجابي إلى السلبي ضمن مستويات توحي بدلالات مختلفة، مثل (النافذة الجدار).

فتغدو قصة "النافذة" مزيجا من ثيمة سيكولوجية الشخصية وثيمة الأمومة، ويبدو واضحا أن السرد السكولوجي هو المسيطر على المساحات السردية للقصة. ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى ثيمة ثالثة تضمنها العمل، وهي ثيمة الطبيعة أو " Nature" وهي ثيمة ذات طابع إنساني شمولي تم توظيفها منذ بدايات الكتابة السردية ببساطة لأنها قديمة قدم الإنسانية، أما العمارة والمجتمعات الحديثة فهي مولود حديث العهد.

وقد قام العديد من الكتاب العالميين بتوظيف عناصر الطبيعة في أعمالهم لتكون مساحة يهرب إليها الإنسان المعاصر لينشد الصفاء والخلاص من الماكينة المدنية التي يحيا ضمن مسنناتها الحادة، والأمثلة عديدة ونذكر منها:

مسرحية " Death of Salesman" أو "موت رجل المبيعات" للكاتب الأمريكي آرثر ملر. وتدور أحداث المسرحية حول " Willy Loman" الشخصية الرئيسية، وهو رجل مبيعات يحيا في عالم تحكمه المادية ويتم الاستغناء عن خدماته ويقوم الكاتب بطرح وتصوير المشكلات الاجتماعية الناتجة عن تحكم المذهب المادي في المجتمع الأمريكي وزيف ما يسمى بـ "الحلم الأمريكي". وعليه، يلجأ Willy إلى الريف للهروب وبلوغ الخلاص (على طريقته) حيث ترمز الطبيعة هنا إلى الماضي بجميع أبعاده والانعتاق من سلطة المادية، فكان لا بد لـ ً Willy أن يتجه إلى الريف ليهجر حاضره المؤلم ويتجنب غده المعتم.

ويسجل الكاتب الإنجليزي " George Orwell" توظيف لثيمة الطبيعة في روايته الشهيرة " Coming up for Air" أو "تنفس الصعداء" والتي يلعب " George" دور الشخصية الرئيسية في الرواية، وهو موظف لدى شركة تأمين يسعى جاهدا إلى الذهاب في إجازة إلى منطقة " Lower Binfield" الريفية هروبا مما أحدثته مخرجات الثورة الصناعية من آفات وكوارث لحقت بالطبيعة وأوجدت مجتمعا مدنيا يدعي التحضر والإنسانية. أما George ، فإن الطبيعة تمنحه شعورا غامرا طافرا بالسعادة والصفاء فيشعر أنه مازال على قيد الحياة، على عكس ما تمنحه المجتمعات المتحضرة من مزاجية سوداوية متشائمة وقاتمة، فيقرر التوجه إلى بلدة Lower Binfield، لبلوغ السكينة والخلاص ولكنه يفاجئ عند بلوغها بأن الصناعيين قد حولوها هي أيضا إلى منطقة صناعية تملوها المصانع والآليات، وهنا يبكي حاضره ويستشعر الرماد القادم في المستقبل، وهذه الرؤية التي أراد الكاتب إيصالها إلى البشر والمتمثلة بأنهم موتى حتى ولو كانوا واقفين على أقدامهم لأنهم يحيون في عالم من التدهور المطرد، ولا سبيل لنجاتهم إلا ببلوغ الطبيعة والرجوع إلى الماضي الذي يمثل العالم المثالي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير