تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

السادة الأفاضل / قصّاد هذا الموضوع والمعرجين على دروبه

أهلا بكم وسهلا

وللمارين من ههنا خلسة، أقول منشدا - مع فارق التشبيه -:

سلامٌ على عينيك ياعذبة النجوى ... وأهلا بطيف منك مرّ وما ألوى

قويت على هجري فإن كان من جفا ... فإني وربّ البيت بعدك لا أقوى

أحبتي: لقد كان الموضوع المطروح على درجة كبيرة من الأهمية، بل لعلي لا أجاوز الحقيقة إذا قلت إنه يشغل بال كثير من الشعراء الشباب الموهوبين في زماننا هذا؛ ممن امتلك ناصية البيان ووُهب موهبة الشعر، وما إن صدح زمانا حتى صار يضيّق على نفسه السبل، ويلزمها إلزاما يكاد يخنقها. وحجته في ذلك هي قوله: أريد أن أكون شاعراً إسلاميا أحس بآلام أمتي المستضعفة، وأتفاعل مع قضاياها المصيرية.

ونحن نقول: وما المشكلة؛ لو كنت شاعرا حقا، وقبل ذلك ملتزماً حقا، لما حصل عندك هذا الإشكال أصلا.

إذا ما الإشكال، وأين مكمن الخلل؟

لعلكم أيها الأحبة الكرام قد تذمرتم شيئاً قليلا أو كثيرا من السفسطة الجدلية التي طرحتها في مشاركتي السابقة في هذا الموضوع، عن الإلزام والالتزام، ولكني أقول لكم: إن الجدل قد ينفع أحيانا!

وللبيان نحتاج إلى مزيد بسط وتبيان

فأقول متوكلا على الله: لو أنّ شاعرا مسلما على الفطرة السوية، وقبل أن يتأدلج (أقصد من ناحية نظرته لوظيفة الأدب حتى لا أفهم بطريقة خاطئة) قال شعرا، فكيف سيكون شعره؟

لا شك أنه إنما سيكون نابعا من مشاعره وأحاسيسه الذاتية المتعلقة بأفراحه وأتراحه، والواقعية المتعلقة بآلام أمته وجراحها؛ فهو بين هذه وتلك، وقد يمزج بينهما.

إذا كيف نصنف هذا الشاعر؟

هو - لا شك - شاعر ملتزم؛ ولكنه ملتزم بالالتزام

وهذا حسن

فإذا ما خرج هذا الشاعر عن طبعه الذي طبع عليه، وقسر نفسه قسراً وأكرهها إكراهاً على ألا تقول إلا في قضايا الدين والأمة، وتكلف في ذلك تكلفا زائدا عن الحد؛ حتى حظر على نفسه أن يقول في كل ما سوى ذلك مما يراه أدون وأنزل ولا يليق بموقعه الجديد ــ فإنه عندئذ قد ألزم نفسه بالالتزام، والنتيجة المنطفية لذلك أنه مُلزَم (بفتح الزاي)، أي مجبر على فعله الذي هو خارج عن طبعه وسجيته الأولى؛ وإذا فالإلزام بالالتزام إلزام، والشعر لا يكون إلا مع مواتاة الطبع والسجية، وإذا فهو لن يخرج إذ ذاك عن كونه واعظا أو خطيبا، فضلا أن يكون شاعراً أو أديبا.

ولعل في هذا جزءاً من بيان معنى قول القاضي:

(والدين بمعزل عن الشعر)

ولكن، وفي المقابل: لو كان هذا الشاعر قد نشأ في بيئة منحلة أصلا، لا دين ولا ديانة، وقال شعرا، فماذا ننتظر من شعر كشعره!

لا شك أننا إنما نقف موقف من يتهم ويحذر؛ فسيئ الفعال يولد سيئ الأقوال.

وأقول هنا: يجب التفريق بين ما انطوى من الشعر على فسق ومجون، وما انطوى منه على كفر وإلحاد ومروق من ربقة الدين

أما الأول، فأترك الرأي فيه لمن أحب المشاركة

وأما الآخر، فهيهات هيهات، ليس بشيء! على الأقل هذا رأيي الشخصي.

لك أن تقول، وللقاضي الجرجاني أن يقول كذلك؛ ولكن لو رأى القاضي الجرجاني زماننا هذا، وقد تكالبت أعداء الملة على الطائفة المسلمة، وأحاطت بها من كل جانب، واستلبتها حتى أقصت دينها وثقافتها ولغتها ــ لو رأى القاضي ذلك لقال:

ما أردت الذي تقولون!

ما أردت الذي تقولون!

ما أردت الذي تقولون!

لقد أحست الأمة المسلمة بواقعها المرير، وخطبها الجليل؛ فنهضت منها طائفة مجاهدة صدعت بالحق في وجه الطغيان، وكان لها مع ذلك حس مرهف وذوق رفيع، فهم في الأصل أدباء نقدة، وفصحاء لغويون، فنادى بعضهم بإسلامية الأدب، لما رأى من الطوام الكبرى والفجائع الجلى؛ فكانت آراؤهم بردا وسلاما، وحقا وعدلا

حتى إذا تلقفها بعدهم من قصرت آلاتهم، وحصرت نياتهم عن إدراك شأو من تقدمهم، واللحاق بهمم من سبقهم، كان الإشكال كبيرا، والخرق واسعا؛ فنظروا، ونظروا، ونظروا (من التنظير لا النظر)؛ فجاء تنظيرهم فاترا، ونظرهم قاصرا؛ بل لقد انغمسوا شيئا فشيئا في التيارت المعاصرة، فشاب نقدهم وأدبهم لبسٌ من الآخر، وويل لك إذا لم تتبع سنن هذا الآخر حذو القذة بالقذة!

فهم بذلك قد انصرفوا عن منهج من سبقهم، علموا أم لم يعلموا والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

أحبتي

هذا شيء من قاصر ما عندي في هذا الموضوع

وعذرا على الإطالة والتقصير، ولكننا أسرى الوقت

منتظرا مشاركاتكم إثراء ونفعا

بإذن الله

والحمد لله رب العالمين

ـ[رؤبة بن العجاج]ــــــــ[12 - 11 - 2006, 08:40 م]ـ

أخي العزيز أحمد

أرى أن طرحك كي ينضج في أذهان قرّائه و متابعيه

لابد أن يطبخ على أثافيَّ النقاش ...

و نحن بانتظار طهاته ما بين ناضجٍ صفيفَ شواءٍ أو قديرٍ معجّلِ ...

لكنَّ هناك نقطةٌ هامّةٌ أحببت أن أنوّه عليها

ألا وهي هل أنّ ديانة الشاعر قد تؤثّر على شاعريته ...

في الحقيقة هي قد تؤثّر في منظار الحقّ ...

أمّا في منظار غيره فلا يضر البته ..

ألا ترا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم - والحديث في مسند الإمام أحمد -

و معناه أنه - عليه الصلاة والسلام - رأى امرأ القيس الكندي و هو يحمل لواء

الشعراء هاوياً به في نار جهنّم ..

ألا يدل هذا الحديث على مدى شاعريّة امرئ القيس لكنها عادت عليه وبالاً

و خسراناً و كذلك حال كل شاعرٍ مبدعٍ في فسوقه و فجوره ...

هو مبدعٌ لا ريب و كذلك حال الملتزم في ابداعه

لكن لهذا وادي ولهاذاك وادٍ آخر ...

و هنا أتذكّر قول الشيخ عايض القرني عن القبّاني حيث سُؤل عن شاعريته

فقال: هو شاعر .. ولكنه شاعرٌ فاسدٌ ...

هذه نقطة و ما أدري أأصبت فيها كبد الموضوع ام مرق السهم من الرميّة؟؟

أما مسألة الإلزام والإلتزام و إلزام الإلتزام ... إلى آخر هذه الزمزمة ..

فلها وقفةٌ أخرى ... إن شاء الله

والسلام,,

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير