فطرقوا أبواب هذا الفقه القديم بفهم وإمعان نظر, وأساليب جديدة, فكان منهم بالجملة إصلاح جديد للمجتمع البشري كافة, وإنقاذ للإنسانية من هاوية المادية المتردية.
وهذا أوجد فيهم بعض الخلاف بين بعضهم في الجزئيات, تبعاً لظروفهم الخاصة, وسيراً على ما عند كل واحد منهم من علوم وثقافة ومعرفة, بل وأحياناً ما تأثر به في محيطه الخاص, وبيئته المحيطة به, سواء كانت علمية أو أدبية أو تربوية.
واشتد الخلاف بينهم وبين من سبقهم من أهل الجمود والرضى بالبقاء على ما كان عليه الفقه من القرن الرابع الهجري (عندما تأسست المذاهب) وأصبحنا نسمع من كلامهم:
"كل آية أو حديث ليس في مذهبنا, فهو مؤول أو منسوخ؟ ".
وهو بهذا جعل مذهبه هو الحكم على القرآن الكريم, والله عز وجل يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات: 1] , وقال أيضاً: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} [النساء: 8] , والرسول الكريم قال: "بلغوا عني ولو آية"! وعلى آراء غيره من خلق الله, وفيهم أهل علم وتجارب, من الصحابة ومن بعدهم.
ووجدنا القول بوجوب اتباع أحد المذاهب الأربعة دون غيرها, بدعوى أن الخروج عن هذه المذاهب ضلال, وقد يصل إلى الكفر, وبعضهم صرح بذلك, وفتح باب التكفير من غير دليل, والعياذ بالله سبحانه.
* * *
فيسر الله لهؤلاء المجددون الانطلاق بأبحاث اجتهادية فيما تحتاج الأمة إليه, ولم تخرج عن القديم في الحقيقة والواقع, ولكن عملت بكل قديم مقبول, بعد إيجاد الدليل لكل مسألة, والتبويب لكل قضية.
واعتبر بعض عملهم من باب "التلفيق المذهبي", الذي عابه بعض الباقين على تعصبهم, مع أنه ليس من بابة هذه المقولة, بل هو الموافقة, والاقتداء, والاتباع فقط, وقد يوافق في بعضه مذهباً ما, ثم يوافق مذهباً آخر في قضية ثانية, مع الدليل لكل واحدة منها, وهكذا ..