تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و أما البلاغة كما يعرفها ابن الأثير: فان أصلها في وضع اللغة من الوصول و الانتهاء، و سمي الكلام بليغا من ذلك، أي أنه قد بلغ الأوصاف اللفظية و المعنوية. و هي أخص من الفصاحة، فكل كلام بليغ فصيح، و ليس كل كلام فصيح بليغا. كما أن اللفظة الواحدة لا يطلق عليها اسم البلاغة، و يطلق عليها اسم الفصاحة، إذ يوجد فيها الوصف المختص بالفصاحة، وهو الحسن.

د – المسجع:

وحده أن يقال: تواطؤ الفواصل في الكلام المنثور على حرف واحد، و أن الأصل في السجع إنما هو الاعتدال في مقاطع الكلام، و الاعتدال مطلوب في جميع الأشياء، و النفس تميل إليه بالطبع، على أن تكون الألفاظ المسجوعة حلوة حارة طنانة رنانة، لا غثة و لا باردة. و يقول ابن الأثير: " و قد ذمه بعض أصحابنا من أرباب هذه الصناعة، و لا أرى لذلك وجها سوى عجزهم على أن يأتوا به، و إلا فلو كان مذموما لما ورد في القرآن الكريم". كما أعاب على الصابي و ابن العميد و ابن عباد أن أكثر المسجوع عندهم هو التطويل، و يضيف: " و لقد تصفحت المقامات الحريرية و الخطب النباتية على غرار الناس بهما و اكبابهم عليها، فوجدت الكثير من السجع فيهما على الأسلوب الذي أنكرته".فمن سجع الصاحب بن عباد قوله:

لا تتوجه همته إلى أعظم مرقوب إلا طاع و دان، و لا تمتد عزيمته إلى أفخم مطلوب إلا كان و استكان.

و رد عنه ابن الأثير: و كل هذا الذي ذكره شيء واحد.

ه – التجنيس:

يقول ابن الأثير: " إنما سمي هذا النوع من الكلام مجانسا لأن حروف ألفاظه يكون تركيبها من جنس واحد، وحقيقته أن يكون اللفظ واحدا و المعنى مختلفا". و ذكر أن أهم رواده كابن المعتز و أبو علي الحاتمي و القاضي الجرجاني و قدامة بن جعفر و غيرهم، و قد قسمه إلى سبعة أقسام، واحد منها يدل على حقيقة التجنيس، لأن لفظه واحد لا يختلف، و ستة أقسام مشبهة.

و مثال الأمر أي التجنيس الحقيقي كقول أبي تمام:

فأصبحت غرر الأيام مشرقة بالنصر تضحك عن أيامك الغرر

(فالغرر) الأولى استعارة من غرر الوجه، و (الغرر) الثانية مأخوذة من غرة الشيء أكرمه، فاللفظ إذا واحد و المعنى مختلف. و مما أعاب في شعر أبي تمام:

و يوم أرشق و الهيجاء قد رشقت من المنية رشقا وابلا قصفا

فقد أكثر أبو تمام من التجنيس في شعره، فمنه ما أغرب فيه فأحسن، و منه ما أتى به كريها مستثقلا.

و يضيف: " و ربما جهل بعض الناس، فأدخل في التجنيس ما ليس منه، نظرا إلى مساواة اللفظ دون اختلاف المعنى، فمن ذلك قول أبي تمام:

أظن الدمع في خدي سيبقي رسوما من بكائي في الرسوم

و هذا ليس من التجنيس في شيء، إذ حد التجنيس هو اتفاق اللفظ و اختلاف المعنى، و هذا البيت المشار إليه هو اتفاق اللفظ و المعنى معا.

ي – الترصيع:

و يعرفه ابن الأثير: " و هو مأخوذ من ترصيع العقد، و ذاك أن يكون في أحد جانبي العقد من اللآلئ مثل ما في الجانب الآخر، و كذلك نجعل هذا في الألفاظ المنثورة من الأسجاع، و هو أن تكون كل لفظة من ألفاظ الفصل الأول مساوية لكل لفظة من ألفاظ الفصل الثاني في الوزن و القافية " و مثال ذلك قول بعضهم:

فمكارم أوليتها متبرعا و جرائم ألغيتها متورعا

ف (مكارم) بإزاء (جرائم) و (أوليتها) بإزاء (ألغيتها) و (متبرعا) بإزاء (متورعا).

و أما ما ورد في الشعر على مخالفة بعض الألفاظ بعضا، فقد انتقد ابن الأثير ذي الرمة في هذا البيت:

كحلاء في برج صفراء في دعج كأنها فضة قد مسها ذهب

و صدر البيت مرصع، و عجزه خال من الترصيع، و عذر الشاعر في ذلك واضح، لأنه مقيد بالوقوف مع الوزن والقافية، ألا ترى أن ذا الرمة بنى قصيدته على حرف الباء، و لو رصع هذا البيت التصريع الحقيقي لكان يلزمه أن يأتي بألفاظه على حرفين حرفين: أحدهما الباء، أو كان يقسم البيت نصفين و يماثل بين ألفاظ هذا النصف و هذا النصف، و ذلك مما يعسر وقوعه في الشعر

خاتمة:

يعد كتاب المثل السائر لابن الأثير مرجعا هاما لكل الباحثين سواء المهتمين بالنقد الأدب أو بالقضايا المتعلقة بالبلاغة العربية، فكان كتابه مجموعة من الأفكار المأثورة عن ثلة من العلماء و العقول التي سبر أغوارها و مزج تلك الأفكار بأفكاره النيرة، حيث لم يكتف بأن يكون جامعا أو ناقلا، بل أراد أن يكون مؤلفا في النقد و البلاغة، و رائدا من رواد علم البيان، بما أضاف و صحح، و عاب و نقد. كما عني بالتعريف و التنظيم و حصر الأقسام، و كما رأينا فقد اعتمد النقد النحوي و البلاغي في تحليله لمجموعة من القضايا و هو بهذا يؤكد استمرارية هذا الاتجاه منذ القرن الثالث الهجري. تلك بعض لمحات مما اشتمل عليه هذا الأثر النفيس الذي احتل منزلته بحق بين أصول البلاغة والنقد الفني عند العرب.

ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[14 - 08 - 2008, 01:15 م]ـ

شكرا لك أستاذ فراي على تحليل وتفصيل آراء ابن الأثير في كتابه.

و حياك الله معنا في الفصيح.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير