تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الناقد الإسلامي وتحقيب تاريخ الأدب *2*]

ـ[المساوي]ــــــــ[29 - 03 - 2007, 01:43 ص]ـ

:::

الناقد الإسلامي وتحقيب تاريخ الأدب

الأستاذ عبد الرزاق المساوي

أهمية تاريخ الأدب:

لتاريخ الأدب – ونعني به التأريخ للأدب ونقده – (3) فوائد جمة وإيجابيات كثيرة، تكون لصالح الأمة التي تهتم به وتعنى بالعمل على تطوير أدواته وازدهار أساليبه وتلميع مقوماته وصقل ركائزه والحفاظ على أحسن مكوناته وأفضل خصائصه والعناية بميزاته ومميزاته، وتتفنن في ترويجه وتعميمه وتسعى إلى تحسين ظروف تعليمه، وتبرز أزهى مراحله وأزكى ما فيه وتصلح أخطاءه وتعيب على المروق إذا وجد فيه كما توضح ثغراته ولا تسكت عن عثرات بعض فترات جموده .. فهو بالنسبة لها وسيلة أساسية للحفاظ على شخصيتها ومقومات وجودها وأمجادها وطريقة رئيسة للكشف عن هويتها ومدى أصالتها وعمق تجاربها، ومرآة خالصة تعكس للأمة الصورة الحقيقية لوجهها مما يسعفها على المضي في تزيينه وتنميقه إن كان وجها حسنا، أو تسعى لتنقيته وتحسينه إن بدا على ما يخالف ذلك .. وأداة طيعة للاحتفاظ بلغتها نقية صافية بيضاء تتمتع بعذوبتها وجزالتها وسلاستها ورصانتها وسهولتها وفصاحتها، وتعيش بعيدة عن أسباب الانحطاط أو الضعف التي تتربص باللغات الطبيعية الدوائر .. ولنستمع لكارلو نالينو الذي يقول، بالنيابة عنا، حاثا ومحفزا أهل العلم وطلابه والمشتغلين بالأدب (العربي) على الاهتمام بتاريخه: " .. إن شدة الاعتناء بأداء لغتكم الشريفة وتاريخها ليست فقط مسألة علمية بل خدمة جليلة لوطنكم يحق عليكم القيام بها .. " ويضرب الأمثلة عما وقع لأمم اهتمت بآدابها وتاريخها، فيقول: " .. وإن راجعتم كتب تواريخ الغرب ألفيتم أن بعض الأمم الإفرنجية قد تراكمت عليها الفتن والحروب\ ... \سلمت من الفناء التام لتمسكها بحفظ آداب لغتها والعناية بتخليد ذكر مآثر قدمائها العلمية والأدبية .. " (4)

تاريخ الأدب وسيلة لتوضيح المؤثرات التي توالت وأثرت في عقلية الأمة وثبتت في ذاكرتها، ولتوضيح الآثار التي قد تركتها هي في غيرها من الأمم والشعوب .. كما أنه – أي تاريخ الأدب – أداة للتعريف بشخصياتها وعباقرتها وروادها الأفذاذ الذين صنعوا أمجادها ووشحوا حياتها بزينة العلوم والآداب والفنون المؤدية إلى التقدم .. وأقاموا حضارتها شامخة للعيان، وخلدوا للخلف آثارها، ورفعوا رايتها بين الأمم، ونشروا تحفها وفرائدها وأذاعوا قضاياها .. ثم إن تاريخ الأدب يبصرنا بخوالج النفوس ومكنوناتها وطبائعها كما يرسم بريشة المبدع الأديب عواطف القلوب وهزاتها، وميول الأهواء وشطحاتها، ومستويات العقول ودرجات تفكرها، وعلاقات الأفراد ومشاعرهم وسلوكياتهم، وأحوال المجتمع وما يتعرض له من تطورات، أو ينتابه من تغيرات، أو يلحقه من انقلابات أو انفلاتات .. ويحمل كذلك بين طياته نظرات إنسان الأمة إلى الكون والوجود والطبيعة والحياة والإنسان ذاته، وتصوره لنفسه ولمن حوله من الخلق والمخلوقات، وسبحاته في كل ذلك، مع محاولات التفسير والتوضيح وإضفاء الذات، والتغيير والدفع إلى المزيد من خدمة الإنسان كخليفة في هذه الأرض .. وغير هذا كثير من الأمور التي يمكن أن نلمسها ونستشفها من إبداعات الأدباء وإنتاجاتهم، وهي لا تخفى على دارسي ومؤرخي الأدب ..

إن تاريخ الأدب عملية مثمرة ومستمرة .. لا يمكن أن تستغني عنه أمة من الأمم إلا إذا وقعت تحت براثن الجمود الفكري، وجحدت الحركة الثقافية والفكرية والأدبية – على الخصوص – وأثرها في الحياة والناس .. وقطعت ما بينها وبين ماضيها – القريب أو البعيد – من وشائج وأواصر، وتنكرت لما قد يحويه هذا النوع من الممارسة الإنسانية الحيوية من مفاهيم ورؤى ونظرات ترسم من خلالها آفاقا معينة، مما قد يعرضها للتيه والضلال في حياتها، والقطيعة عن أصولها وعدم غرس أو بناء نبتتها التي يمكن أن تكون أصلا لخلفها ومن يأتي من بعدها .. وأنكرت سلفها ورجالاتها ولم تحفل بحضارتها مما يدفعها إلى البحث في حضارات أخر عن رجال آخرين غير رجالها، تماما كما وقع في فترة من فترات تاريخنا حين كنا نعرف عن حضارة ورجالات الغرب أكثر مما نعلم عن حضارتنا وأسلافنا وأجدادنا الذين مهدوا - فعلا – لرجالات تلك الحضارة الطريق وسددوا لهم الخطا كي يحققوا أخيرا ما هم فيه ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير