يعد الفيلسوف الألماني هيجل أول من قدم نظرية للرواية في الغرب من خلال رؤية فلسفية جمالية مثالية مطلقة، ويعتبر كتابه الاستتيقا أبرز الكتب التي عنيت بالتنظير الروائي من خلال ربط شكلها ومضمونها بالتحولات التي عرفها المجتمع الأوربي في القرن 19م، فقد اهتم هيجل بالانتقال من الملحمة إلى الرواية اهتماما كبيرا.
لكنه مع ذلك يصنف الرواية كأنها تفريع ثانوي من تفريعات الملحمة، ويرى أن الفرق بينهما يكمن في اللغة الشعرية من (حهة الملحمة)، واللغة النثرية من جهة الرواية، ويرى أيضا أن الواقع الذي تعالجه الرواية يستدعي الخروج من الشعر المرتبط بالنوازع والعواطف والوصول إلى النثر المرتبط أكثر بالظروف والمناسبات، ويستنتج أن الشكل الروائي الجديد ملتصق بصعود البورجوازية وبهاجسها الأخلاقي والتعليمي الذي يؤدي إلى ثورة البطل الرومانسية أو سقوطه أو مكابرته، وتعيش المغامرة الروائية بالتالي في الأوهام، نتيجة للفارق الكبير القائم بين الواقع المرجو والواقع المعيش.
وقد استقى لوكاش الكثير من أفكار وتصورات أستاذه هيجل، ولكن ليس من منطلق مثالي، بل اعتمد في تصوراته على المادية الجدلية الماركسية في فهم المجتمع الرأسمالي وتفسير تناقضاته، وقد ألح على غرار هيجل بكون وجود الرواية مرتبط بالانتقال من الإقطاعية التي طورت الفن الملحمي إلى الرأسمالي التي أوجدت لها فنا متميزا هو الفن الروائي.
III- الرواية والمجتمع:
يذهب رولان بارت ( R.Barthes) في بعض كتاباته إلى أن الرواية عمل قابل للتكيف مع المجتمع، وأن الرواية تبدو وكأنها مؤسسة أدبية ثابتة الكيان، فهي الجنس الأدبي الذي يعبر بشيء من الامتياز عن مؤسسات مجموعة اجتماعية، وبنوع من رؤية العالم الذي يجره معه، ويحتويه في داخله.
أما عند جورج لوكاش، فالرواية في رأيه النوع الأدبي النموذجي للمجتمع البورجوازي: بولادته رأت النور، ومع تطوره تطورت، وبزواله وبقيام المجتمع الاشتراكي تعود إلى منابعها البطولية الأولى، وتستعيد أبعادها الملحمية مع كبرى الإنجازات الروائية للواقعية الاشتراكية: (الأم) لمكسيم غوركي، و (الدون الهادئ) لشولوخوف.
فالرواية تظل الشكل التعبيري الأمثل بالنسبة إلى كل مجتمع لم يحقق درجة متقدمة من الاندماج بين الذاتيية الفردية والموضوعية الاجتماعية، "إنها النوع الأدبي النموذجي للمجتمع البورجوازي"، والرواية هي التي تصور تناقضات المجتمع البورجوازي النوعية أصدق تصوير، وأكثر نموذجية. إذن فتناقضات المجتمع الرأسمالي هي التي تقدم لنا المفتاح لفهم الرواية من حيث إنها نوع أدبي قائم بذاته، في هذا الصدد يقول لوكاش:"إن الرواية، ذلك النوع الملحمي الكبير، ذلك التصوير الحكائي للكلية الاجتماعية، هي القطب المقابل لملحمة العصور القديمة ونقيضها الجذري".
V- المراحل الأساسية للرواية:
يقول لوكاش بأن "الماركسي لا يستطيع أن يعالج نوعا من الأنواع الأدبية إلا من منظور منهجي وتاريخي، والمخطط الإجمالي الذي وضعناه للتعيينات الأساسية للرواية إنما يرتكز إلى معرفة تاريخ المجتمع، وقد عرفنا الرواية بأنها نوع أدبي قائم بذاته على أساس التصور الماركسي للتاريخ، ولهذا لا يمكن تحديد التحقيب الذي يحدث في داخل تطور الرواية إلا على أساس معرفة تطور الطبقات وصراعها في مراحلها الكبرى".
ومن هذا المنطلق يحدد لوكاش المراحل الأساسية التي شهدتها الرواية:
1 - الرواية في طور الولادة:
وهي مرحلة المجتمع البورجوازي الصاعد، حيث تولد الرواية من وجهة نظر المضمون، لكن التناقض الحاد مع عالم القرون الوسطى لا يحول دون انفتاح الرواية التي على وشك أن ترى النور على كل ميراث الثقافة الإقطاعية الحكائية، وهذا الميراث أهم بكثير من عناصر المغامرات المادية التي تبنتها الرواية الجديدة في شكل محاكاة هجائية ساخرة أو بعد أن أدخلت عليها تعديلات إيديولوجية أخرى.
إن عظمة (رابليه) و (سرفانتس) المؤسسين الكبيرين للرواية الحديثة ترتكز أساسا على صراع خاض غماره على جبهتين بحكم وضعها التاريخي، والمقصود هو نضالهما ضد انحطاط الإنسان الناجم عن المجتمع البورجوازي الناشئ. فكان النضال ضد (بطولة) الفروسية (التي طفق خواؤها يفتضح)، وضد حطة نثر المجتمع البورجوازي (الذي انكشف أمره للعيان من البداية).
¥