ومن الأمور المهمة أيضا لدى أرسطو مفهومه للمأساة واختلف النقاد أيضا في ما يتصل بهذه القضية وخاصة فيما يتعلق بالتطهر. قال البعض إن المأساة عند أرسطو هي نظام مصمم لبلوغ هدف معين، وهذا الهدف هو التطهر. وقال آخرون إن التطهر الذي يتحدث عنه أرسطو هو تطهر أخلاقي يتعلم فيه المتفرجون ما يجب أن يثير فيهم الخوف والشفقة.
وأما من ناحية التخيل و التخييل عند أرسطو ومطابقته للصدق والكذب فالتخيل عنده ضرب من الحركة في الذهن يقابل الحركة في عالم الحس وحركة التخيل يجب في رأيه أولاً: ألا تكون قادرة على الوجود بدون الإحساس، وأن تنتمي إلى الكائنات التي لا تحس. ثانياً: أن تجعل صاحبها قادراً على أن يفعل وينفعل بعدد كبير من الأفعال.
وأخيراً أن تكون هي نفسها صادقة أو كاذبة (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
1 - أرسطو، فن الشعر، ترجمة إبراهيم حمادة 55
2 - ينظر ابن رشد، تلخيص كتاب الشعر، تحقيق محمد سليم سالم، ص66
النقد عند الفارابي
أشرت من قبل أن الفلاسفة ومنهم الفارابي قد تأثروا بالثقافة اليونانية كأرسطو على سبيل المثال، ونلحظ هذا التأثر هنا في آثاره وآرائه حول الشعر، فأول ما نلاحظه عن تأثره الشديد بأرسطو أنه خالف (متى بن يونس) في تسميته للتراجيديا والكوميديا بالمدح والهجاء، بل سماها (طراغوذيا) و (قوموذيا)، فهو بذلك يعتمد على مقولات أرسطو في حديثه عن الشعر هذه واحدة، وأما الثانية فإنه قد استبدل مصطلح (الشعر) بـ (الأقاويل الشعرية) ويعرفها بقوله عنها:
" هى التي من شأنها أن تؤلف من أشياء محاكية للأمر الذي فيه القول " (1)
وأشار إلى أن مثل هذه الأقاويل الشعرية ومطابقتها بالنسبة للواقع الخارجي، سواء بالصدق، أم بالكذب فهى كاذبة؛ وذلك لعدم تطابقها مع الواقع.
" الأقاويل الشعرية تعتمد على الكذب لأنها تهدف إلى محاكاة الشيء على غير ما هو عليه في الواقع بل على ما يريد الشاعر " (2)
ويرى البعض هنا أن الفارابي متأثربمقولة قدامة (أعذب الشعر أكذبه)، وقد قسم الفارابي الأقاويل الشعرية إلى (برهانية / جدلية / خطابية / سوفسطائية / شعرية).
الفارابي حاول أن يوضح لنا معنى المحاكاة عندنا، ومعناها عند اليونانيين فصنفها إلى نوعين يقول:
" فإن محاكاة الأمور قد تكون بفعل. وقد تكون بقول، فالذي بفعل ضربان: أحدهما أن يحاكي الإنسان بيده شيئا ما، مثل ما يعمل تمثالا لا يحاكي به إنسانا بعينه، أو شيئا غير ذلك، أو يفعل فعلا يحاكي به إنسانا ما أو غير ذلك. والمحاكاة بقوله: هو أن يؤلف القول الذي يصنعه أو يخاطب به من أمور تحاكي الشيء الذي فيه القول، وهو أن يجعل القول دالا على أمور تحاكي ذلك الشيء " (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - مقالة في قوانين صناعة الشعراء ص 152 كتاب فن الشعر ترجمة عبد الرحمن بدوي
2 - نفس المصدر ص 150
(3)
وعلقت الدكتورة / ألفت الروبي على هذه المقولة بقولها أن الفارابي أراد أن يقول لنا إن الشعر عند اليونانيين تمثيلي مرتبط بفعل التمثيل و الحركة، أما الشعر عندنا فهو غنائي مرتبط بالقول والتعبير
عن الذات (1).
قلنا أن الفارابي وجد أن الشعر العربي شعر غنائي، ليس هذا فقط بل وجد العرب أيضا يهتمون بالقوافي وبالأغراض الشعرية، ولم يركزوا على الأوزان، ولم يربطوا بين الأغراض الشعرية وأوزان معينة، فلم يخصصوا أوزانا لتكون قوالب لأغراض معينة، لكنه وجد اليونانيين عكس ذلك، فهم ربطوا بين الأغراض الشعرية و الأوزان، بل وجعلوا لكل غرض مجموعة من الأوزان، فعلى سبيل المثال ذكر الفارابي أن اليونانيين جعلوا للمدح أوزانا، وللهجاء أوزانا فنعرف من هذا أن هذه الأوزان أصبحت حكرا لهذه الأغراض.
¥