تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولا بدَّ أن يكون لوجود أقارب الخليل الذين كانوا من جماعة الفراهيد محفِّزا ليهاجر مع أبيه مع من هاجر إليها من أقاربه، ونحن للأسف الشديد لا نعرف شيئا ذا بال عن والده، وعن الأسباب التي دفعته إلى الهجرة، إلاَّ ما وصلنا عن سكناه في حيٍّ من البصرة يسمى الخُريبة، وعن بستان حصل عليه أبوه، ثم ورثه عنه فيما بعد ابنه الخليل» [13].

ولعلَّ الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها عُمان في هذه الفترة كانت من أسباب الهجرة، وأنَّ هذه الأسباب دفعت العمانيين إلى الإقامة بالبصرة واتخاذها وطنا لهم، حتى اشتهر من علماء الأزد بها المئات من رواة الحديث والأدباء واللغويين والقواد والسياسيين. وهذا أمر مشهور معروف.

وتشير بعض المصادر إلى أنَّه كان من معاصري الخليل المحدُّث الشهير: الربيع بن حبيب بن عمرو الفراهيدي، صاحب كتاب الجامع الصحيح الذائع الصيت، ويذهب أحد الدَّارسين المعاصرين إلى أنَّه ابن عمِّ الخليل مباشرة، مستندا في زعمه على النسب، فالحبيب وأحمد أخوان كما يقول؛ فالعالِمان هما الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي، والمحدِّث هو الربيع بن حبيب بن عمرو الفراهيدي، ولا ندري مبلغ حجَّة هذا الزعم، ولم نعرفه لغيره، والذي يشكِّك في هذا الزعم أننا لم نعثر قطُّ - وهو ما يؤكِّده صاحب هذا الرأي أيضا - على أخبار تتحدَّث عن لقاء جرى بين الرجلين العالمين الذائعي الصيت؛ إذ لو كانت بينهما عمومة لالتقيا، ولو اختلفا منهجا وفكرا - كما يدَّعي صاحب هذه الدراسة. [14]

حياته العلمية:

وعندما نتحدَّث عن العوامل التي كوَّنت هذه العبقرية، تجيء بيئة البصرة في مقدِّمتها؛ ونعني ببيئة البصرة كلَّ الجوانب المكوِّنة لها: الثقافية، والاجتماعية، والطبيعية أيضا. وسنرى كيف كان لهذه الجوانب كلِّها تأثير مباشر في توجُّه الخليل نحو الإبداع في المجالات التي عُرف بها، وعلى رأسها الإبداع في المجال اللغوي والعروضي.

يقرِّر بعض الدارسين أنَّ الخليل أدركته طفولته بأحضان مدينة البصرة، ولعلَّه لم يتجاوز السادسة من عمره، كما تدلُّ على ذلك حكايته مع الفرزدق، حيث كان صبيا يلهو مع صبية البصرة في شوارعها.

ويفترض أنَّه كان يعيش بمحلَّة الأزد عشيرته، وهي محلَّة مشهورة معروفة في المصادر الأدبية واللغوية والتاريخية، وموقعها من الشمال الغربيِّ من المدينة، إلاَّ أنَّه قد مرَّ بنا أنَّه كان يعيش من بستان خلَّفه أبوه في الخُريبة، وكان لبني بكر وأهل العالية، ولبني تميم دساكر في الخريبة، ومن هنا نستخلص أنَّ الخريبة كانت منطقة بساتين وليس من المحتَّم أن يعيش فيها أصحابها، فإنَّنا نرى هذا كثيرا في المناطق المعروفة ببساتينها، فقد يملك أو يؤجّر أحدٌ بستانا قد يكون بعيدا أو قريبا من محلِّ سكناه، وليس من الضروري أن يكون ساكنا فيه.

وكان الخليل - كما تدلُّ على ذلك أخباره - كثيرَ التردُّد على باب المربد، الذي يخرج منه إلى المربد. ويعتبر المربد مدرسة ثانية للبصريين إلى جانب الجامع والمساجد، وكان للبصرة ستة أبواب، وكانت مدينة محصَّنة؛ لأنَّها دار هجرة تأوي الجنود الذين ينطلقون إلى الفتوحات، وقد اختطَّت حيث تنتهي عند رمال الصحراء، وفي الأرض الغنية السوداء التي تروى بالمياه الصادرة مما يكوِّنه اتحاد الفرات بنهر دجلة، وهذا ساعَدَها على أن تكون مدينة خصبٍ ورخاء وازدهار اقتصاديٍّ وتجاريٍّ وزراعيٍّ سريع، وهذا يعود ولا شك إلى طبيعة موقعها لكونها مدينة بحرية نهرية صحراوية في آن واحد، وهكذا التفَّت بها حضارة الصحراء العربية الناشئة بنمط الحياة البحرية والزراعية، وتولَّد عن هذا المزيج مزيجٌ آخر في مجتمعها المتكوِّن من العرب والأعاجم، بل من الأعراب والمتحضِّرين، وأفرز هذا التنوع مدرسة حضارية، شكَّلت الحضارة البصرية المعروفة بطابعها المتميز في كلِّ ميادين الحياة.

كانت التجارة البحرية والنهرية مزدهرة جدًّا في البصرة، وقد بلغت هذه المدينة المرتبة الثانية في الأهمية بعد بغداد، وصارت مقصد القوافل الواردة من كلِّ حدب وصوب، ومحطَّ رِحال الشرق والغرب، وحريٌّ لها أن تلقَّب بـ: قبة الإسلام، كما سماها بذلك مخطُّطها الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير