تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تخص المصدر الصناعي قوله: قل الجُمهور والجُمهورية ولا تقل الجَمهور والجَمهورية. (ص 33).

لأن المسموع من العرب والمأثور في كتب لغتهم هو (الجمُهور) بضم الجيم ولأن الاسم إذا كان هذه الصيغة وجب أن تكون الفاء – أي الحرف الأول – مضمومة لأن وزنه الصرفي عند الصرفيين (فُعلول) كعُصفور وشُعرور أي شويعر. وإذا صنعنا اسماً صناعياً من الجمُهور وهو الذي يسميه الصرفيون (المصدر الصناعي) – وهو تساهل منهم – بإضافة ياء مشددة وتاء تأنيث إليه فهو (الجمهورية والإنسانية والبشرية). ويرى الدكتور مصطفى جواد إن تسميته بالمصدر غير صحيحة لأن المصدر في الإعراب يعمل فعله وهذا لا يعمل أبداً ولا فعل له في الغالب كالإنسانية، والتحقيق هو (اسم يائي) أو (اسم نسبي) أو (اسم إضافي) ومن الأمثلة الأخرى قوله:

قل دحرنا جيش العدو فجيش العدو مدحور

ولا تقل اندحر جيش العدو فهو مندحر.

لأن اندحر لم يرد في كتب اللغة ولكننا ينبغي لنا أن لانكون جامدين فلغتنا قياسية اشتقاقية فالفعل يصاغ لرغبة الفاعل (في المطاوعة) فيجوز القول (اندحر) بمعنى انهزم بغير قتال أما إذا أردنا (اندحر) بمعنى الطرد الحقيقي فلا يجوز اشتقاقه.

أما آراؤه المعجمية فقد تمثلت بمعالجته للمصطلحات العلمية فإنه يذهب إلى التأكيد على الاشتقاق في توليد المصطلحات قياساً إلى التعريب والنحت لأن العربية عنده لغة اشتقاقية. كما يؤكد مهمة التعريب في الحياة العملية والعلمية بعد أن أبانت اللغة العربية عن قدرتها في استيعاب متطلبات الحياة المعاصرة، ومن الأمثلة على ذلك قوله:

قل: كان الحاكم جباراً إذا حكم جباري.

ولا تقل كان دكتاتوراً وكان حكمه دكتاتورياً.

لأن كلمة جبار العربية تقابل (دكتاتور) في اللغات الإفرنجية والدكتاتور كلمة رومية (لاتينية) كانت تطلق على القضاة الحكام في روما فهي كلمة ليست حديثة. من خلال ما تقدم نجد أن الدكتور مصطفى جواد معيارياً وصفياً فهو متشدد في بعض الأمور ومتساهل في بعضها الآخر فهو من دعاة التوسع والتساهل في اللغة فقد دعا في أكثر من مبحث إلى وجوب الأخذ بالاشتقاق القياسي لأنه وسيلة من وسائل ترقية اللغة العربية وأنكر على إبراهيم اليازجي واسعد داغر تشددهما في الاستعمال اللغوي. لكنّه كان أيضاً من المتشددين الذين يجرون وراء الأفصح ويطرحون ماعداه من اللغات المعمورة أو غير المشهورة.

ومن النقاد المحدثين في العراق الأستاذ إبراهيم الوائلي الذي يعد كتابه (من أغلاط المثقفين) مثالاً لجهوده اللغوية، فنقده لم يخرج عن نقد المفردات في ضوء شروط ومقاييس الفصاحة، وقد أشار إلى الدافع الذي كان يحفزه إلى الاستمرار على تصحيحاته للأغلاط الشائعة التي أصابت أقلام المثقفين وألسنتهم في عصرنا الحاضر وهو العناية باللغة العربية والحفاظ عليها.

ومن الأمثلة على تصويباته قوله:

يقولون: هذا ليس فقط السبب الأول في المشكلة والصواب:

هذا ليس السبب الأول في المشكلة فقط.

ويقولون: حدث فقط اشتباه يسير والصواب: حدث اشتباه يسير فقط.

وسبب ذلك إن كلمة (قطْ) بسكون الطاء هي بمعنى (حسب) و (كفى) أو (الاكتفاء) وهي ليست (قط) التي بمعنى الدهر ولا (قط ُّ) المبنية على الضم التي بمعنى الزمن الماضي.

ومن آراؤه الصرفية التي تمثلت ببعض تصويباته قوله:

يقولون في جمع (أعزل) عزّل – بتشديد الزاي – وهذا خطأ والصواب: عٌزْل بسكون الزاي لأن (أفعل) لايجمع على (فعّل) بل على (فٌعْل) بالتخفيف.

إن نقد الأستاذ إبراهيم الوائلي موجه إلى الفئة المثقفة فهو لم يخرج عن قواعد النقد القديم حيث نقد المفردات في ضوء مقاييس الفصاحة فهو في نقده معيارياً متشدداً.

من خلال ما تقدم نرى أن اللغويين المحدثين ردوا كثيراً من الصيغ والمفردات لأنها لم تنقل عن فصحاء العرب الذين يحتج بأقوالهم. وقد سلك هذا السبيل – كما ذكرنا – الأستاذ كمال إبراهيم والدكتور مصطفى جواد والأستاذ إبراهيم الوائلي، فهم يقضون بالخطأ على عدد كبير من المفردات والاستعمالات لأن في اللغة ما هو أفصح منها. والملاحظ أن هؤلاء اللغويين ينقل بعضهم عن بعض ويتابع الخالف منهم السالف كما فعل المتزمتون القدامى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير