تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذا كفى العقل شرفا أن دلك على هذه الأمور العظيمة.

.........

وقد يقول بعضهم: وهل تريدوننا كالنصارى الذي لا يعترضون على رهبانهم وقسسهم في شيء. ويسلمون لهم غاية التسليم؟

فنقول له: وهل ظنك في دين الإسلام أنه كدين النصارى؟! وفي علماء الإسلام أنهم كرهبان النصارى وقسسهم؟! أعيذك بالله من هذا الظن؟

.................

عارض الشرع أناس بمحض عقولهم ونسوا أن العقل جارحة من الجوارح كاليد والرجل له طاقة محدودة. فاليد تستطيع أن تحمل مثلا عشرين كيلو جراما ولكنها لا تستطيع أن تحمل مئة كيلوا جراما.

إذا عجزت اليد عن حمل مئة كيلو جراما مثلا، فهل نقول إنها لا تستخدم؟ أو أنها ملغاة؟

الجواب: لا.

نعم .... تلمس الحكمة من الأمر الشرعي أمر سائغ ولكن عندما يكون دافع هذا التلمس اطمئنان القرب والفرح بنعمة الله ومعرفة حكمتة لا التشكك وسوء الظن.

.........................

أصل الاعتراض العقلي على الشرع بدأ من إبليس حين اعترض بعقله الفاسد ورأيه الكاسد على الله كما قال الله سبحانه عنه {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} الأعراف12.

تبعه بعد ذلك أعداء الرسل الذين حاولوا الاعتراض على الرسل بمجرد عقولهم كالذين قال الله عز وجل عنهم {قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} المؤمنون82.

جاء بعدهم أصحاب المدرسة العقلية ممن يسمون بأهل الكلام الذين حرفوا نصوص الكتاب والسنة وصرفوها عن مراد الشارع الحكيم بدعوى أنها لم توافق العقل.

وقد تصدى لهؤلاء أئمة الإسلام كالإمام مالك بن أنس والشافعي وأحمد وغيرهم من علماء الإسلام وردوا عليهم وجابهوهم بالحق حتى أظهر الله نوره وخذل الباطل وأهله.

وبما أن لكل قوم وارث جاءت المدرسة العقلية الغربية التي تؤمن بالمادة والمحسوس فحسب. وكان أثر هذه المدرسة كبيرا وخطيرا نظرا لكثرة وسائلها وتأخرها إلى زمن الفتن وغربة الدين .... وطوبى للغربى.

......................

أخي الكريم .... أختي الكريمة ... هذه المصيبة- (أعني الاعتراض على الشرع بمجرد العقل) - لم تكن وليدة اليوم بل هي قديمة قدم الخليقة. والناس فيها فريقان لا ثالث لهم ولا وسط بينهما. فكن مع أهل الحق أتباع الرسل الذين يسلمون لأمر الله دون اعتراض. ولا تكن في الطرف الآخر فتهلك كما هلك إبليس وشيعته.

............................

أخي الكريم ها هنا قواعد مهمة ومختصرة في الباب:

الأولى- آمن تهد قال تعالى {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} التغابن11. فإذا أردت الهداية والتوفيق فسلم لأمر الله ولا تعترض عليه ولا تقل (كيف) و (لماذا)، يهد قلبك. وعلى العكس يقول جل وعلا {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النحل104.

الثانية- قد تكون مخالفة الشرع للعقل في الظاهر -وأقول في الظاهر-مقصودا لذاته حتى يتميز من يسلم لأمر الله عن غيره إذ لو كانت جميع الأمور معقولة المعاني والحكمة لما صار لأحد فضلا على أحد ولأصبح المؤمن والمنافق سواء.

الثالثة- لو كان المدار على العقل والحاكم هو العقل لم يكن للإيمان ثمرة ولا ستغنى الناس عن الرسل، إذ أن الشيء الواضح لا يمدح الإنسان في إدراكه، والله سبحانه جعل الإيمان المتضمن للتسليم المطلق مدحا لأخص الناس بالقرب منه {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} البقرة3.

الرابعة- في الأمور الشرعية لا يمكن أن يعول على عقل الإنسان لأن عقل الإنسان يتغير والأمور الشرعية تحتاج إلى شيء ثابت تبنى عليه إذ الشرع باق إلى قيام الساعة. ومما يدلك على أن عقل الإنسان ليس بثابت: أنك بنفسك تمارس أحيانا بعض الأمور ظانا أنها عين العقل فيظهر لك بعد حين أنها ليست كذلك وأنك أخطأت فيها.

الخامسة- أن الدين الصحيح لا يعارض العقل الصحيح لأن الدين الصحيح هو شرع الله والعقل الصحيح هو خلق الله ومحال أن يتناقض شرع الله وعقله. فإذا لم تفهم فاتهم عقلك ولا تتهم الشرع.

السادسة- العلماء يقولون الإسلام لا يأتي بمحالات العقول وإنما يأتي بمحارات العقول. أي أن جميع ما ثبت في الإسلام ممكن وغير مستحيل ولكن العقل قد يتحير في كيفيته حتى يظهر له يوما من الأيام إن في الدنيا أو في الآخرة.

........................

خلاصة الموضوع أخي الكريم:

الله ... الله .... في الاستسلام المطلق والرضا التام والفرح الكبير بأمر الله (قل بفضل وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون).

{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} البقرة285.

يقول أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه) أ هـ. أنت في المسح على الخفين مأمور بمسح أعلى الخف. ومن الناحية النظرية أسفل الخف أولى بالمسح لأنه هو الذي يباشر الأرض وربما النجاسات. ولكن إذا جاء النص عن الله وعن رسوله فلا كلام لأحد.

روى البخاري عن الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله أنه قال: من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التسليم.

سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبة وسلم تسليما كثيرا.

والسلام

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير