تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 04:09 م]ـ

وبعد مناقشة موجعة لآراء نازك، ادَّعى د. محمد النويهي أنه أقرب منها إلى صحّة التعليل، وأقدر على فهم حقيقة ما يحدث!. فحاول أن يجد لـ (فاعلُ) تفسيراً يَرْبِطُ هذا الوزن بنظام النّبْر الحديث! ذلك أن بَحرَ الخبب -كما يقول-: " أشد ارتباطاً بنظام النبر وتأثّراً به "، " لكَوْنِ تفعيلته (فَعِلن) أقصر التفاعيل التقليدية زمناً"! وليس " فيها مجالٌ يكفي لإقامة الإيقاع على أساس طول المقاطعِ وقصرها، فاضطرّت [التفعيلة!] إلى اللجوء إلى توزيع النبر لتحقيق إيقاعٍ شعري "، وسهُلَ بذلك تحوّل المقطع الطويل (/ه) إلى مقطعين قصيرين (//). وهذا خروجٌ على الأساس الكمي التقليدي، سببه " طغيان النظام النبري على النظام الكمي " في بحر الخبب كما يقول!!

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 04:11 م]ـ

وفي محاولةٍ قاصرةٍ لتبرير وجودها، ظنّ صالح الجيتاوي أنه حلَّ المعضلةَ، باعتبار (فاعلن) مركّبةً من وتدٍ مفروق (فاعِ /ه/) فسببٍ خفيف (لنْ /ه)، وأنّ سقوطَ النونِ فيها يصبح حينئذٍ زحافاً مقبولاً يقعَ على سبب لا على وتد!

وواضح أن الجيتاوي رمى نفسَهُ في مأزقٍ أصعب، ومعضلةٍ أشد. فهو في غمرةٍ من نشوة الاكتشاف، نسيَ تماماً أن زحاف (الخبْن) الذي يُصيبُ (فاعلن) أصلاً، فيُحوّلها إلى (فعِلن) بسقوط ألِفِها، أكثر استعمالاً من (فاعِلُ) تلك. وأنه بتفريقه الوتد في (فاعِ لن) يُوقِعُ هذا الزحاف الشائع على الوتد (المفروق عنده!).

أضف إلى ذلك أن (فاعلن) ذاتها لا ترِدُ في الخبب، لأنّها ليست من تفاعيله أصْلاً.

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 04:13 م]ـ

أما د. علي يونس، فعَدّها " خروجاً على القواعد العروضية "، أدّى كما يقول إلى نشوءِ بحْرٍ آخر " هو الخبب الجديد "!! وفسّر دخولَها بتطوّر الأذواق الحديثة حتى "صارت تقبل ما لم تكن تقبله في الماضي " ([1])!.

بل إنَّ د. أمين سالم اعتبرها خَلَلاً عروضيّاً، ومَزْلَقاً من مزالق البحر الموسيقية، مستغرباً أنْ يُواقِعَ مثلَ ذلك الخللِ شاعرٌ كبير كمحمود حسن اسماعيل، وغافِلاً عمّن استخدمها قبله!.

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 04:16 م]ـ

وواضح من آرائهم أنهم يعتبرونَ (فاعِلُ) ابتكاراً جديداً لم يَرِدْ في شعر القدماء، ولا سجّلَها العروض القديم.

ولكننا نُشكِّكُ في ذلك كله، إذْ إنّ (فاعِلُ) أقدمُ كثيراً مما يَدَّعون، فهي من خصائص هذا البحر الغريب ومميزاته كما سنرى، ولأنها كذلك كانَ لا بدّ لها من الظهور.

وليسَ مهمّاً عندنا الآن معرفةُ أول من استعملها، ولكننا نؤكد أن استقراءَ قصائد هذا البحر منذ وُجِد سيُظهِرُ أثَرَها دونَ ريب، وذلك على الرغم من ضياع معظم قصائد الخبب القديمة كما رأينا.

هاكَ مثلاً وجدْتُه عند أشهر شعراء الخبب؛ الحصري القيرواني (-488هـ)، في قصيدةٍ له يقول فيها:

أَ عَنِ الإغْريضِ أمِ البَرَدِ=ضَحِكَ المُتَعَجِّبُ منْ جَلَدي

يا هاروتِيَّ الطّرْفِ تُرى=كَمْ لَكَ نَفَثَاتٌ في العُقَدِ

ومن قصيدةٍ طويلةٍ لابن الأبّار البلنسي (-658هـ) وجدْتُ قوله:

بَيْتُهُ في التّرْبِ رَسَا وَتَداً=وعَلى الأفْلاكِ لَهُ طُنُبُ

ولفتيان الشاغوري (-615هـ):

آهاً منْ هَجْرِكَ والإعْرا=ضِ وطولِ صُدودِكَ والمَلَلِ

لا بَلْ واهاً لِسَجايا المَلِـ=ـكِ الأفْضَلِ نورِ الدينِ عَلي

وللشاعر اليمني؛ علي بن القاسم الحسْني الزيدي (-1096هـ):

اسمعْ مولايَ نِظامَ أخٍ=قدْ زادَ بِمَدْحِكَ رَوْنَقُهُ

وُدُّكَ قدْ صارَ يُكَلِّفُهُ=بِمَقالِ الشعْرِ ويُنْطِقُهُ

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 04:20 م]ـ

وحديثاً وردت (فاعِلُ) هذه على لسان شوقي قبل نازك الملائكة، وذلك في شطري البيت التالي من نشيد النيل:

جارٍ ويُرى ليسَ بِجارِ=لأناةٍ فيهِ وَوَقارِ

وفي الشطر الأول من قوله:

نَتَّخِذُ الشمسَ لهُ تاجا=وضُحاها عَرْشاً وهّاجا

وفي الشطر الأول من قوله أيضاً:

نَبْتَدِرُ الخيْرَ ونستَبِقُ=ما يرضى الخالِقُ والخُلُقُ

وفي الشطر الأول من قول مطران:

ما بيْنَ لُصوصٍ وَلُصوصٍ=فرْقٌ في الأعْلى والأدْنى

وفي قول أبي شادي من ديوانه (الشفق الباكي)، المطبوع عام 1926م:

لَيْسَ نَظيمي=نَظْمَ بَناني

إنْ هَوَ إلاّ=بعْضُ جَناني

وفي قول الهراوي (-1939م):

يسْتَمِعُ القولَ فيحفظُهُ=ويَعي الأنغامَ فيُنشِدُها

وكَمِثْلِ الساعةِ عُدَّتُهُ=إنْ فَرَغَتْ تَملأُها يدُها

وفي قول أبي ماضي:

راوَدَني النّومُ وما بَرِحا=حتّى طأْطأْتُ لهُ راسي

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 04:22 م]ـ

وأما العروضيون القدماء؛ فلعلّ ابن الفرخان (من علماء القرن السادس الهجري) هو أوّل مَنْ ذكرَ هذه التفعيلة.

إلاّ أن ذِكْرَها لديه لم يكن تسجيلاً واقعيّاً لورودها في الشعر، وإنّما ظهرت لديه عَرَضاً، وهو يُولِّد التفاعيل توليداً افتراضيّاً يقوم على تقليب مواضع المتحرّكات والسواكن.

وقد عدَّها تفعيلةً قائمةً بذاتِها، يتألّف من تكرارها ما يتّزن من الشعر، وإنْ كانَ ليس بالرشيق كما يقول، ومثّلَ لها بقوله:

ليْتَ حَبيبِيَ ساعَةَ أعْرَضَ=أجْمَلَ هَجْرِيَ وهْوَ جَميلُ

فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ=فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ فعْلن

وقوله كذلك من مسدّسها:

أبْقِ عَلَيَّ حَبيبِيَ=ليسَ لِجَوْرِكَ دافِعْ

جُرْتَ عليَّ فَطَرْفِيَ=حيْثُ ذَكَرْتُكَ دامِعْ

فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ= فاعِلُ فاعِلُ فعْلن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير