تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[20 - 04 - 2009, 08:38 م]ـ

كان في إمكان الخليل أن يكتفي بقائمة الضروب التي أنفق في سبيل إعدادها أياما طويلة من التأمل في آلاف القصائد والأبيات المتفرقة لمختلف الشعراء في العصرين الجاهلي والإسلامي. وبها تمكن من حصر أنساق تلك القصائد في ثلاثة وستين نسقا مستعملا (سميت فيما بعد ضروبا)، وكل نسق منها أو ضرب يشكل وزن قصيدة (متحدة الوزن والقافية). هذا المسلك الذي اتبعه الخليل يسمى في مناهج البحث اللغوي الحديث بالمنهج الوصفي، وهو المنهج الذي اتبعه المستشرق إيوالد و الدكتور إبراهيم أنيس في كتابيهما اللذين أشرت إليهما إلا أن الأول منهما أضاف إلى منهجه الوصفي منهجا مقارنا، ولذلك لم يكن من الغريب أن ينتقل الخليل إلى منهج آخر يكمل بواسطته درس طبيعة عناصر الوزن ومكوناته ويحاول من خلاله تفسير مختلف ظواهره الإيقاعية، هذا المنهج الذي سبب بعض التعقيد في فهم قواعده عند الناس يسمى المنهج المعياري، وفي مناهج البحث اللغوي الغربي الحديث يعد إرهاصا للمنهج التوليدي التحويلي الذي وضعه تشومسكي Chomsky في خمسينيات القرن الماضي وطبقه هاله Halle ومن بعده تلميذته Maling على عروض الشعر العربي.

المكونات الإيقاعية:

لقد نظر الخليل في المقاطع اللغوية وهي تتعاقب في أنساق الوزن فوجد بعضها ثابتا في كل أبيات القصيدة وبعضها الآخر متغيرا، فحينا يكون المقطع قصيرا وحينا آخر طويلا، ولا تكاد الغريزة تحس بذلك الانتقال بين نوعي المقطع مما يوحي بأن وراءهما عنصرا واحدا يجعل المتلقي لا يشعر باختلاف المظهر اللغوي للمقطع، الأمر الذي أدى به إلى عزل هذا العنصر وتسميته باسم يتردد في الحياة البدوية التي كان يحياها العربي قديما وهو السبب أي الحبل الذي يشد بيت الشَعر. وقد يتساءل المرء لم اختار اسم السبب ليعبر به عن حالتين من حركة المقاطع، حالة يتراوح فيها المقطع بين القصر والطول، وحالة تتبادل فيها المقاطع الطويلة والقصيرة الموضع ذاته بحيث يحل فيه محل كل مقطع طويل مقطعان قصيران. للإجابة عن ذلك علينا أن نتذكر أن الخليل كان عالما في الموسيقى وله كتاب اسمه الإيقاع. ولذلك استعمل من مصطلحات علم الإيقاع مصطلحين اثنين هما الخفة والثقل. ولكن ما هي الصلة بين السبب من جهة وبين الخفة والثقل من جهة أخرى؟ من المعروف أن السبب إذا ابتل بالمطر ثقل وارتخى، وهو إن جف الجو صار أخف وأمكن شده. هاتان إذن حالتان من البيئة الصحراوية استعارهما الخليل لوضع مصطلح يفيد بإمكانية التغير في المقطع بين القصر والطول، ومن ناحية أخرى يفيد بإمكانية ارتخاء المقطع ليبلغ في زمنه زمن مقطعين قصيرين.

وكذلك وجد الخليل نوعين من المقاطع يتعاقبان دائما بنفس الترتيب: مقطع قصير فآخر طويل، أو العكس، مقطع طويل فآخر قصير. ولم يلاحظ أي تغيير في هذا الشكل من التعاقب في منطقة الحشو من الوزن. فأراد أن يعبر عن الثبات في هذه الحالة فلم يجد أقرب شيء يوازيها في معمار بيت الشعر إلا الوتد لأنه أثبت ما فيه، وجعل من هذا الوتد نوعين سمى الأول مجموعا لأن متحركي مقطعيه يجتمعان بلا فاصل يفصل بينهما، وسمى الثاني مفروقا لأن الساكن يفرق بين متحركيهما.

وهكذا صار لدى الخليل أربع مكونات يصف بها الوزن الشعري وصفا عروضيا إيقاعيا بدلا من الوصف السابق المقتصر على مجرد المتحرك والساكن من الحروف أو ما يمكن ترجمته إلى المقاطع اللغوية الثلاثة، وهذه الوحدات هي: 1 - السبب الخفيف 2 - السبب الثقيل 3 - الوتد المجموع 4 - الوتد المفروق.

البحور:

حين تم للخليل تحديد الأسباب والأوتاد عمد إلى اختيار عدد من أطول الأنساق الوزنية في قائمة الضروب، ولنقل أن تلك الأنساق كانت الطويل والكامل والمتقارب والمنسرح والرجز. وجعل هذه الأنساق تتألف من الأسباب والأوتاد بدلا من المقاطع ونظر إليها من حيث كونها دوائر ثم أطلق عليها أسماء تعرف بها هي:

دائرة المختلف: 3 1 3 1 1 3 1 3 1 1

دائرة المؤتلف: 2 1 3 2 1 3 2 1 3

دائرة المجتلب: 1 1 3 1 1 3 1 1 3

دائرة المشتبه: 1 1 3 1 1 4 1 1 3

دائرة المتفق: 3 1 3 1 3 1 3 1

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير