تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد يكون أسلوب الاستفهام حاضراً في أحد المصنفات، لكن حضوره عابر غير مقصود لذاته، وهذا ما نلاحظه في كتاب الرماني (ت 386هـ)، (النكت في إعجاز القرآن)، فقد مر مروراً سريعاً بأسلوب الاستفهام، عندما عرض لبعض أمثلته في باب (البيان) ([112])، مكتفياً بالتلميح إلى بعض معانيه مثل: التقريع، والتحسير والتبعيد ([113]).

ويتحدث ابن جني (ت 392 هـ) في مواضع شتى من كتابيه (الخصائص والمحتسب) عن الاستفهام، فينثر فيهما كثيراً من الآراء المهمة المفيدة، مما يمكن أن يدخل في صميم البلاغة، ويناقش بعض القضايا ([114]) مناقشة العالم البارع الذي يغلب عليه طابع التحليل والتفسير والتعليل، وهو في كل ذلك لا يغفل عن تأكيد قاعدة بلاغية، هي أن الاستفهام لا يراد به دائماً صريح الاستفهام؛ بل يقصد به مغزى آخر، ولذلك عرض لهذه المقاصد، فذكر منها: الإنكار، والنفي، والتوبيخ، والتقبيح، والتهكم ([115])، وذكر في الخصائص: الإخبار، والتقرير، والوعظ، والتبكيت ([116]) وغيرها، ولكن مع هذا تبقى دراسة هذا الأسلوب غير مقصودة لذاتها، فلم يفرد لها مبحثاً مستقلاً يجمع شتاتها، ويلم كل ما توزع فيها من آراء هنا وهناك.

وبعد ابن جني بدا هذا الأسلوب يراوح مكانه، فلم يطرأ عليه أي جديد يذكر، فها هو أبو هلال العسكري (ت 395 هـ) يؤلف كتابه (الصناعتين)، ويبحث فيه موضوعات مستقلة كثيرة في البلاغة، إلا أنه لم يتوقف أبداً عند هذا الأسلوب. وجَلَّ ما ذكره هو الإشارة إليه إشارة عابرة في (باب الخبر والوصف في صورة الاستفهام) ([117]).

وإذا ما امتد بنا النظر لدراسة ما طرأ على هذا الأسلوب من تطورات بعد ابن فارس فسنرى أن عبد القاهر ([118]) (ت 471 هـ) بذل عناية واضحة في دراسته، وكانت له نظرته الفاحصة الدقيقة في الحديث عن بعض أدوات الاستفهام، كالهمزة، مثلاً، وما يليها إن كان فعلاً أو اسماً والفروق بينهما، ومما يذكر له أنه كان دائماً ينبه على الفوائد البلاغية التي حققها هذا الأسلوب، لكنه مع كل هذا الجهد الذي بذله لم يفرد له مبحثاً مستقلاً، بل درسه ضمن أسلوب التقديم والتأخير.

ونصل إلى السكاكي (ت 626 هـ) فنراه يتحدث حديثاً مفصلاً عن أسلوب الاستفهام، فيفرد له مبحثاً مستقلاً، ويجعله القانون الثاني من قانوني الطلب، ويتحدث عن أدواته ومعانيها، ويشير إلى المعاني المجازية فيذكر منها: الاستخفاف، والتحقير، والتعجب والتعجيب، والاستبطاء، والإنكار، والتهديد، و التوبيخ، والتنبيه، والتقرير ([119]).

وأطال الخطيب القرويني الوقوف عند هذا الأسلوب فأفرد له مبحثاً خاصاً ضمن أسلوب الإنشاء الطلبي في باب علم المعاني، نقل فيه ما قاله عبد القاهر والسكاكي، وناقشهما في بعض القضايا، ثم عرض لبعض المعاني المجازية لهذا الأسلوب، فكانت عنده: الاستبطاء، والتعجب، والتنبيه، و الوعيد، والأمر، والتقرير، والإنكار، والتهكم، والتحقير والتهويل، والاستبعاد، والتوبيخ والتعجيب ([120]).

وهذه المعاني التي ذكرها تعد من أبرز أغراض الاستفهام، وقد فرّع العلماء كثيراً منها، حتى بلغت عند السيوطي (31) غرضاً ([121]).

إضافات ابن فارس لأسلوب الاستفهام:

1 ـ أنه أفرد باباً مستقلاً، خاصاً بهذا الأسلوب، عرض فيه لأبرز القضايا التي تتعلق فيه، فتجنب بذلك ما وقع غيره فيه. عندما وزعوا مادة بحثهم على صفحات متباعدة متناثرة، يحتاج الباحث فيه إلى لمِّ شتاتها، وجمع ما تفرق منها ليكوّن عنه فكرة عامة، وفي هذا ما فيه من إضاعة للوقت والجهد، وإفساد للبلاغة.

2 ـ أنه أطلق له تعريفاً دقيقاً محكماً، وذكر التسمية الأخرى له (الاستخبار)، وفرّق بين التسميتين.

3 ـ أنه تجاوز سابقيه ومعاصريه من حيث عدد الأغراض البلاغية التي ذكروها، ومع أن هذه الأغراض كانت كثيرة في كتابه، لكن ما همنا منها هو ذاك الملحظ البلاغي الذي تمتع فيه في الكشف عما وراء السياق من أسرار.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير