تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سنحاول الآن تناول عدد من الأعمال القصصية السردية لعدد من الكاتبات الأردنيات ضمن محاولة للوقوف على مدى خروج الكاتبة من نطاق دائرة الكتابة النسوية أو عدمه أو انتقال الكاتبة من مساحات الثيمة ذات الطابع النسوي إلى مساحات الثيمة الإنسانية الجمعية أو المزج بينهما.

ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى الغاية المرجو بلوغها من هذا التناول، وهو العرض التشريحي لتلك الأعمال بما تحمله من قضايا وهموم وطروحات تمحورت حول قضية المرأة أو انطلقت نحو فضاءات أوسع، ومع التركيز على ضرورة استمرار إنتاج هذا النمط من السرد الذي يتسم بطابع نسوي لمواصلة رفع الظلم عن المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع أينما كانت. ولكن، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لا يطغى هذا الطرح على مجمل المساحات السردية القصصية لدى الكاتبات فلا تعدو عملية السرد حينها سوى تكرارا لذات القاصة، بعد أن يتم استنزاف القضايا المطروحة ويتم الاتجاه إلى تناولها مرات عديدة أخرى، ولكن بأشكال جديدة بيد أن المضمون يبقى واحدا مكررا.

يستطيع القارئ ملاحظة اتسام قصة "ارتباك" من مجموعة "سيدة الخريف" للقاصة جميلة عمايرة بالثيمة النسوية لما تتناوله من تجسيد وتصوير لعلاقة تشوبها الكراهية والحقد ما بين طرفين هما الرجل والمرأة (هي و هو) حيث تصور القصة حياة صبية يتم استغلالها من قبل رجل مسن – وهذا الرجل هو صديق والدها المتوفى- ولطيبة هذا الرجل المسن وما أظهره من حسن النية فإن الصبية تقبل بالزواج منه وبمجرد ما أن يتم الزواج يتحول هذا الزوج إلى مفترس شرس نسي كيف تكون الرحمة فيحيل حياتها إلى جحيم متسما بالتسلط والهيمنة في سلوكياته تجاهها لإلغاء وجودها وفرض وجوده هو. ويتضح ذلك من خلال رواية المرأة- و هي الشخصية الرئيسية في العمل و الراوي أيضا لأحداث ومجريات القصة: "كان يريدني أن أبقى أسيرة عالمه وصوره" "حضوره الذي لم يكن بغير إلغائي، لاشيء غير قابل للنسيان مثل أن نكون ضحايا الإلغاء" وتمر الأيام ويموت العجوز غير أن المرأة لا تستطيع التخلص منه لما كان له من أثر سيء في حياتها "كنت أضع الصور أمامي لأقول له: "أنت مجرد صور على ورق. خيالات" وبالمقابل أؤكد لنفسي: "أنا الحاضرة الآن" ثم أحرقته صورة إثر صورة" وبهذا تتضح العدائية التي تكنها هي له، أما مصدرها فهو الظلم الذي ألحقه بها الزوج.

وتكتمل الشخصية الرئيسية سردها لمأساتها ومحاولتها التطهر والانعتاق من الذكرى السيئة والألم الذي سببه لها. وبهذا تكون القاصة قد قامت بتصوير هذه المشكلة الاجتماعية التي تذهب ضحيتها النساء. ومن ثم تقوم القاصة بمحاولة رد الظلم عن الشخصية الرئيسية في القصة لتقوم المرأة بوصف وصايا الزوج بالحكايات الخرفة وتتساءل حول إمكانية اتصافه بالإنسانية وتلقي بثيابه بعيدا بيد أنها تدرك أخيرا أنها مازالت أسيرته مع أنه مات وتركها لخياراتها. مما يدل على حجم التخوف والهلع اللذان تعيشانه "وصاياه التي أسماها حكمة العمر – حكايات خرفه يحفظها العجائز ... أكان يملك روحا حينذاك؟ ... ألقيت بثياته التي أوصى بأن تبقى في خزانته، في حاوية القمامة، كانت أنانيته بشعة إلى هذا الحد، لم أرد له أن يتكرر، ولو بثيابه ... أدركت بأنني أسيرته وهو ميت" وتزخر المساحة السردية بمثل هذا النمط من العبارات اللفظية.

وحب السيطرة لدى الزوج يحذو به إلى تغييب ذات زوجته ومصادرة كينونتها "كان يرديني ظلا له أو خيالا يلازمه ... كنت أدور في فلكه كما أرادني منذ أول يوم قدمت فيه لمنزله .. ليس الموت معه ماكان يخيفني، بل الموت داخل ذاتي أنا" أما موت العجوز فقد ألحق بها هذا "الارتباك" فتقول: "ولم أحزن لموته قط بل ربما أحسست بمقت له أشد عمقا. لم أذرف دمعة واحدة، إذ أنني لم أستطع جلبها إلا للبكاء علي" وحتى رمزية العنوان تصب في بوتقة الثيمة النسوية "فالإرتباك" ماهو إلا هذه الثيمة التي تجسدها الكلمات الأخيرة في القصة بوضوح "وجسد يخشى انطلاقة حريته الوليدة" فهي تشعر بالارتباك الناتح عن خشيتها وخوفها من انطلاقة جديدة نحو الحياة بأن يتكرر ماحدث في الماضي "صرت حرة أخيرا. لكنني مازلت مكبلة بعجزي عن أن أغفر له .. أبدا .. لقد تحررت لكنني، مع هذا، أحتار في كيف أتحكم بهذه المساحة الكبيرة التي انفك عنها القيد ... أقع في الحيرة والارتباك .. لكني أخاف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير