تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خوفي من مجهول ما سوف تحمله الأيام القادمة". و عليه, نجد ان القاصة العمايرة كتبت قصة نسوية بحته.

سنحاول الآن تسليط الضوء فوق مساحات قصة أخرى وهي قصة "النافذة" حيث تحاول العمايرة هذه المرة تغييب ذات الكاتبة والوصول إلى ذات القارئ أو الذات الإنسانية من خلال توظيف أسلوب السرد الحداثوي وإبراز المحمول الحداثوي أيضا الذي ينصهر في بوتقة الثيمة الإنسانية. وقد أصبح الولوج إلى سيكولوجية الشخصية في الأعمال القصصية من السمات البارزة التي تتسم بها الآلية السردية الحداثوية. ويستطيع القارئ ملاحظة وجود نوعان من الحبكة تضمنتهما القصة، هما: حبكة الحدث والتي تستمد أحداثها من الأفعال اليومية والسلوكيات الحياتية في هذا العصر –عصر الحداثة، "كنت قد صرخت في وجه أمي .. ركبنا السيارة ... أخذت أغني وأحث أخي على القيادة بسرعة .. وصلنا ساحة كبيرة ... صفعني أخي على وجهي ... ،نهضت بصعوبة ... صحت بصوتي .... تردد قليلا قبل أن يسارع إلى الخزانة ويفتحها .. سارع إليه ثلاثة رجال ... الخ ... ". وحبكة الشخصية كذلك والتي تصف الحالة النفسية والذهنية لشخصيات العمل السردي وما يختلجها من صراعات مع الآخر والذات أيضا. فتقوم الكاتبة بتصوير الحالة السيكولوجية التي تعايشها الشخصية الرئيسية في القصة التي تقوم بعملية السرد.

وتسجل الكاتبة ثيمة إنسانية وهي الحق المشروع للأم بأن ترعى أبناءها وحرمانها من الأمومة هي صفة بربرية لا تمت للإنسانية بصلة، ونتائجها وخيمة "وكنت قد صرخت في وجه أمي: أين طفلي؟ أني ذهبت بهما، لماذا أخفيتهما عني؟ أنا الأم، أمهما" ويؤدي هذا الحرمان إلى ولوج الشخصية لمساحات الحالة السيكولوجية المتمثلة بالاضطرابات التي تعانيها سواء أكانت صحية أم ذهنية. وتصف الشخصية الرئيسية في العمل حالتها الصحية الناتجة عن تعاطي العقاقير في المصح النفسي قائلة "صباح اليوم التالي هممت بالنهوض، إلا أنني لم أستطع، شعرت بالإنهاك، لم أفعل شيئا، يداي تؤلمانني، قدماي ثقيلتان مخدرتان. ماذا حدث؟ أنا عاجزة عن القيام بأية حركة كغسل وجهي مثلا، أو القيام بأداء تمارين الصباح الخفيفة التي اعتدت القيام بها في السابق؟ ".

أما مساحات الحالة الذهنية، فهما مساحة الوعي والتي تكون الشخصية فيها مدركة تماما لما يدور حولها من أحداث والمتمثل بإيمانها بأنها لا تعاني من أي مرض أو اضرابات نفسية "أنا منتبهة تماما، صافية الذهن .. " وأيضا: " صحت بصوتي: من وضعها، ولماذا؟ لست مريضة، أنا لست مريضة". ومستوى اللاوعي، وهنا يتدخل العقل الباطني للشخصية الرافضة لصفة المرض ليؤكد على وجود الاضطرابات النفسية التي تعاني منها الشخصة الرئيسية "الكلمات، كلماتي أنا، فقدتها هي أيضا، كلماتي لم تعد لي، لحقت هي الأخرى بهم وانضمت إلى كلماتهم. لم يتبقى لي شيء. لم يتبقى لي أحد. حتى علاقتي بي أصبح يشوبها الخوف، والقلق، والكوابيس، ولم أعد أعرفني". حتى أنها لم تعد قادرة على إدراك كم من الوقت مضى على وجودها في المصح "بعد زمن – لا أعرف- أطويل هو أم قصير على وجودي هنا وحيدة .. ".

وابتعاد العمايرة عن استخدام أسماء لشخصاتها بحيث اعتمدت المسميات لها مما ساهم في منح القارئ فرصة المشاركة في بناء العمل السردي من خلال تقمصه لدور ما ينتقيه بناء على المطابقة والتوافق بينه وبين شخصية معينة لاشتراك كلاهما في حبكة الحدث أو الشخصية عن طريق معايشة القارئ لنفس التجربة في مرحلة زمنية سابقة أو إمكانية ولوجه إلى مساحة مشابهة في المستبقل. فشخصياتها هي الأم التي تعاني من الاضطرابات النفسية والتي تعرف عن نفسها باستخدام ضمير المتكلم "أنا" في بداية السرد وأخاها ووالدتها والممرض العجوز وثلاثة رجال وطفلاها، دون استخدام أسماء. وقامت الكاتبة أيضا بتوظيف عملية الجمع بين الأضداد على المستوى الرمزي للعنوان والمستوى البنيوي للقصة – فهي نافذة، ولكنها في الواقع ليست نافذة، وهي قصة حداثوية ولكنها في الواقع ليست كذلك. فرمزية العنوان توحي بتوفير مساحات شاسعة يستخدمها القارئ لبناء العمل السردي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير