تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهكذا نرى أن الموشح يمكن أن ينظم على ستة أو سبعة أنماط. وقد انتشر هذا اللون من النظم بعد ذلك في الشرق، ومن أشهر من برعوا فيه من المشارقة "ابن سناء الملك المصري" الذي اشتهر بموشحته التي يقول في مطلعها:

حببى ارفَعْ حجابَ النور

عن العِذار

تنظرْ المسك على الكافور

في جُلَّنار

كَلِّى يا سُحْبُ تيجانَ الرُّبى بالحُلِى

واجعلى سوارها مُنْعَطف الجدول

وإلى جانب الموشح نشأ الزجل باللغة المستعملة في بلاد الأندلس، مع مزجها باللغة الأسبانية الدارجة. ومن أوائل من نظموا الأزجال "سعيد بن عبد ربه" (المتوفى سنة 341ه‍) ابن عم صاحب "العقد"، وكان من المشتغلين بعلوم الأوائل من الفلسفة وسائر العلوم. ومن بعده "أبو يوسف هارون الرمادي" شاعر المنصور، الذي كان يسمى "أبا جنيس" (المتوفى سنة 412) وكان أول من أكثر من التضمين في المراكز4، ثم "عبادة ابن ماء السماء" (المتوفى سنة 415ه‍) الذي ابتكر التضفير أو التضمين بأن مواضع الوقف في الأغصان فضمنها، كما اعتقد "الرمادي" مواضع الوقف في المركز. أما أبرز الزجالين جميعاً فهو "أبو بكر محمد بن عبد الملك بن قزمان" الذي ولد في قرطبة بعد سنة 460 وتوفى سنة554ه‍.

هذان النوعان من النظم، اللذان ابتكرهما أهل الأندلس، هما اللذان أثرا في نشأة الشعر الأوروبي. وأول من قال بهذه النظرية هو "خليان ريبيرا" Gulian Ribe المستشرق الأسباني الكبير الذي عكف على دراسة موسيقى الأغاني Ls Cantigas الإسبانية ودواوين الشعراء "التروبادور" و"التروفير" وهم الشعراء الجوالة في العصر الوسيط في أوروبا والمنيسنجر Minnesanger وهم شعراء الغرام، فانتهى من دراساته المستفيضة هذه إلى أن الموشح والزجل هما "المفتاح العجيب الذي يكشف لنا عن سر تكوين القوالب التي صبت فيها الطرز الشعرية التي ظهرت في العالم المتحضر أبان العصر الوسيط" وأثبت انتقال بحور الشعر الأندلسي فضلاً عن الموسيقى العربية، إلى أوروبا "عن نفس الطريق الذي انتقل به الكثير من علوم القدماء وفنونهم ـ لا يُدرَى كيف ـ من بلاد الإغريق إلى روما، ومن روما إلى بيزنطة، ومن هذه إلى فارس وبغداد والأندلس، ومن ثم إلى بقية أوروبا"5.

ذلك أن الشعراء التروبادور البروفنساليين الأوائل استخدموا أقدم قوالب الزجل الأندلسي، كما يظهر في شعر أول شاعر تروبادور بروفنسالي، وهو "جيوم التاسع" دوق اكيتانيا، ويعد أيضاً أول شاعر في اللغات الأوروبية الحديثة، وقد بقي من شعره إحدى عشرة قصيدة، من بينها خمس كتبت بعد سنة 1102، وتتألف القصيدة منها من فقرات تشبه في قالبها فقرات الزجل، من حيث تأليفها من ثلاثة أشطار أبيات متحدة القافية، يتلوها أشطار من قافية واحدة في كل الفقرات، كما نجد هذا النمط من النظم أيضاً عند شاعرين تروبادوريين قديمين آخرين هما "ثركامون" Cercamon و"مركبرو" Marcabru اللذان عاشا في النصف الأول من القرن الثاني عشر، ثم انتشر هذا النمط من النظم في الشعر الشعبي في أوروبا، وفي الشعر الديني الذي ألفه الأدباء الفرنسيسكان في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وفي أغاني الكرنفالات في فيرنتسه في القرن الخامس عشر.

وفي أسبانيا نفسها ظلت نماذج وأنماط النظم على طريقة الأزجال العربية يستخدمها الشعراء المتعلمون، مثل "الفونس الحكيم" في القرن الثالث عشر، ورئيس القساوسة في هيتا Arcipreste del Hita في القرن الرابع عشر، و"فياسندينو" و"خوان دل انثينا" Villasandinoy Guan del Eneina في القرن الخامس عشر وأوائل السادس عشر.

ولم يقتصر الأمر على طريقة النظم، بل وأيضاً امتد التأثير العربي في نشأة الشعر الأوروبي إلى طريقة علاج الموضوعات. ففكرة الحب النبيل Amorcortes التي تسود الغزل في الشعر البرفنصالي، نجد أصلها في الشعر الأندلسي بل وفي أزجال "ابن قزمان"، كما يؤكد هذا "منندث بيدال" أشد الباحثين حماسة في توكيد تأثير الشعر العربي، الموشح والزجل، في نشأة الشعر الأوروبي في نهاية العصر الوسيط.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير