تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كَانَتْ مُصِيبَتُهَا بِالفَقْرِ وَاحَدَةً === وَمَوْتُ وَالِدِهَا بِاليُتْمِ ثَنَّاهَا

هَذَا الذي في طَرِيقِي كُنْتُ أَسْمَعُهُ === مِنْهَا فَأَثَّرَ في نَفْسِي وَأَشْجَاهَا

حَتَّى دَنَوْتُ إلَيْهَا وَهْيَ مَاشِيَةٌ === وَأَدْمُعِي أَوْسَعَتْ في الخَدِّ مَجْرَاهَا

وَقُلْتُ: يَا أُخْتُ مَهْلاً إِنَّنِي رَجُلٌ === أُشَارِكُ النَّاسَ طُرَّاً في بَلاَيَاهَا

سَمِعْتُ يَا أُخْتُ شَكْوَى تَهْمِسِينَ بِهَا === في قَالَةٍ أَوْجَعَتْ قَلْبِي بِفَحْوَاهَا

هَلْ تَسْمَحُ الأُخْتُ لِي أَنِّي أُشَاطِرُهَا === مَا في يَدِي الآنَ أَسْتَرْضِي بِهِ اللهَ

ثُمَّ اجْتَذَبْتُ لَهَا مِنْ جَيْبِ مِلْحَفَتِي === دَرَاهِمَاً كُنْتُ أَسْتَبْقِي بَقَايَاهَا

وَقُلْتُ يَا أُخْتُ أَرْجُو مِنْكِ تَكْرِمَتِي === بِأَخْذِهَا دُونَ مَا مَنٍّ تَغَشَّاهَا

فَأَرْسَلَتْ نَظْرَةً رَعْشَاءَ رَاجِفَةً === تَرْمِي السِّهَامَ وَقَلْبِي مِنْ رَمَايَاهَا

وَأَخْرَجَتْ زَفَرَاتٍ مِنْ جَوَانِحِهَا === كَالنَّارِ تَصْعَدُ مِنْ أَعْمَاقِ أَحْشَاهَا

وَأَجْهَشَتْ ثُمَّ قَالَتْ وَهْيَ بَاكِيَةٌ === وَاهَاً لِمِثْلِكَ مِنْ ذِي رِقَّةٍ وَاهَا

لَوْ عَمَّ في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ لِي === مَا تَاهَ في فَلَوَاتِ الفَقْرِ مَنْ تَاهَا

أَوْ كَانَ في النَّاسِ إِنْصَافٌ وَمَرْحَمَةٌ === لَمْ تَشْكُ أَرْمَلَةٌ ضَنْكَاً بِدُنْيَاهَا

هَذِي حِكَايَةُ حَالٍ جِئْتُ أَذْكُرُهَا === وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى الأَحْرَارَ فَحْوَاهَا

أَوْلَى الأَنَامِ بِعَطْفِ النَّاسِ أَرْمَلَةٌ === وَأَشْرَفُ النَّاسِ مَنْ بِالمَالِ وَاسَاهَا

يبدأ الشاعر القصيدة باللقاء، بالفعل (لقي) لقيتها، و مصادفة هذا اللقاء غير المنتظر أو غير المرتقب، و هو يتمنى ألا يحدث هذا اللقاء، حيث جاءت " ما " النافية (ليتني ما كنت ألقاها)، لكن وقع اللقاء، و واصل الشاعر وصفه لها و رصده لخطواتها قائلاً:

) تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَا (

حيث الخطوب أثقلت من مشيتها، بحالتها الفقيرة التى يرثى لها، مما جعل دموع عينيها يتساقط على خديها، ثم ما نتج عن هذا البكاء المستمر " إحمرت مدامعها – و شحب وجهها – و إصفر كَالوَرْسِ من جوع محياها " و الورس: نبات مبرقش لونه أحمر عليه زغب أصفر.

و في الأبيات الثلاثة التالية يصف الشاعر تأثير موت زوجها، الذي أردى حالتها إلى هذا البؤس.

و لنسمع الموسيقى الداخلية الناتجة عن حسن التقسيم في هذا البيت: الموت أفجعها – و الفقر أوجعها – و الهم أنحلها – و الغم أضناها

المَوْتُ أَفْجَعَهَا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا ===== وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَا

وفي البيتين السابع و الثامن - تأثير الدهر - على المرضعة، و إستمرار تكرار المأساة متمثلاً في تعاقب الليل و النهار،

و مظاهر قسوة الدهر عليها، أن أثوابها بُلِيَتْ على بدنها.

و في الأبيات من التاسع حتى الثاني عشر، عودة مرة أخرى إلي وصف حالة المرضعة " تمشي بأطمارها "

ثوبها البالي، ثم التشبيهان - البرد يلسعها كأنه عقرب - و - غدا جسمها بالبرد مرتجفاً == كالغصن في الريح ...

و يأتي بعد ذلك [تمشي، و تحمل] فعلان متلازمان في وقت واحد، ثم المفعول المطلق " حملاً "

الذى يحدد لنا مكان أو موضع الحمل " على الرأس "، ثم المقابلة بين (اليسرى / اليمنى) كلتا اليدين اللتين تحمل بهما طفلتها الرضيعة، مستسلمة لصروف الدهر، و هي محتضنة طفلتها تضم أعضائها برباط ممزق.

و في الأبيات من الثالث عشر و حتى البيت الواحد و العشرين: مناجاة أو تساؤلات الشاعر لنفسه أثر رؤيته لحالة تلك المرضعة اليتيمة التي تحمل طفلتها الباكية طوال ليلها من الجوع، {ما تصنع – لسان الشاعر -،

ما حيلتي - لسان الأم -، ما بالها - لسان الشاعر مرة أخرى، تبكي - لسان الطفلة – و هى اللغة العجمية

غير المفهومة " لغة البكاء " {.

و في البيتين الثاني و العشرين و الثالث و العشرين: تخيل الشاعر إبنته في هذا الموقف و ما كان سيحدث لها في مواجهة خطوب الدنيا.

و في البيت الرابع و العشرين: بيان لسبب كتابته القصيدة، حيث كان الشاعر ماراً في طريقه، و لقيها و أثَّرت فيه أحوالها.

و في الأبيات من الخامس و العشرين و حتى الثلاثين: رد فعل الشاعر الحقيقي متمثلاً في الأفعال التي قام بها ليساعد المرضعة

و يتيمتها: {دَنوتُ، قلتُ، سمعتُ، إجتذبتُ، ثم .. قلتُ مرة أخرى}، و كلها أفعال جاءت بناء على ما رآه الشاعر

و راقبه بعينه، من بؤس و مرض أحاط بهذه الأرملة المرضعة.

و في الأبيات من الواحد و الثلاثين حتى الثالث و الثلاثين: رد فعل المرضعة تجاه الشاعر لما أبداه من عطف نحوها متمثلاً شكلياً في: {أرسلت نظرة – أخرجت زفرات – ثم التشبيه " زفرات كالنار تصعد من أعماق أحشاها " - أجهشت باكية}.

ثم رد فعلها قولاً: " وَاهَاً لِمِثْلِكَ مِنْ ذِي رِقَّةٍ وَاهَا ".

وفي البيتين الرايع و الثلاثين و الخامس و الثلاثين: رد فعل المرضعة قولاً ولكن في قالب تمني {لو عَمَّ}، {لو كان {

و صيغة التمني هنا قريبة من صيغة الشرط:

فعل الشرط==== جملة===== جواب الشرط ==== بقية جملة

لو عَمَّ=== في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ ليّ=== مَا تَاهَ=== في فَلَوَاتِ الفَقْرِ مَنْ تَاهَا

أو كَانَ===في النَّاسِ إِنْصَافٌ و مَرْحَمَةٌ=== لَمْ تَشْكُ=== أرملةٌ ضنْكَاً بدُنْيَاهَا

و الملاحظ هنا أن جواب الشرط في البيتين، جاء به الشاعر منفياً على لسان المرضعة، و ذلك لأن الدنيا تملؤها الشكوى، و الضياع.

وفي البيتين الأخيرين: يطلب الشاعر من أقرانه الأحرار، العطف و المساعدة و المواساة لهذه الأرملة المرضعة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير