و لله سيري ما أقل تئية عشية شرقي الحدالى و غربُ
فذكر حاله و حال من ودّعه عند الإفتراق، ثم استفتتح الفصل الثالث بتذكر العهود السارة و تعديدها فقال:
و كم لظلام الليل عندك من يد تُخبِّر أن المانوية تكذبُ
فتذكر في هذا الفصل موطن البين، و موطن الوصل، ثم تممه بذكر ما اقترن بذلك الوصل من محاذرة الرقباء، ثم استفتح الفصل الرابع بتذكر الحال التي حاذر فيها الرقبة عند رحيله عن سيف الدولة فقال:
و يوم كليل العاشقين كمنته أراقب فيه الشمس أيان تغربُ
فذكر الليل، و وصف الفرس، و انتقل من معان جزئية إلى معان كلية بحيث يمكن أن تكون فصلا واحدا أو فصلين اثنين، أول ثانيهما:
و ما الخيل إلا كالصديق قليلة و إن كثرت في عين من لا يجربُ
ثم افتتح الفصل الأخير بذم الدنيا و ما تؤول إليه أحوالها، و توجَّع مما يصيب كل بعيد الهم فيها فقال:
لحى الله ذي الدنيا مناخا لراكب فكل بعيد الهم فيها معذبُ
د- مأم من المذاهب المستشرفة مما تقدم أيضا، و هو مذهب التحجيل:
سمى القرطاجني (تحلية أعقاب الفصول بالأبيات الحكمية و الاستدلالية بالتحجيل ليكون اقتران صنعة رأس الفصل و صنعة عجزه نحواً من اقتران الغُرّة بالتحجيل في الفرس) (ص 297).
و التحجيل تذييل أواخر الفصول بالأبيات الحكمية و الاستدلالية التي معناها مترام إلى جملة معاني أبيات الفصل أو بعضها، فيورد المعنى (في التحجيل) (على جهة الاستدلال على ما قبله أو على جهة التمثيل، و يكون منحواً به منحى التصديق أو الإقناع) (ص 300)، و هذا يُزين الفصل و القصيدة كليا ً، و يؤثر في النفوس أيّما تاثير، كأبيات زهير بن أبي سلمى في آخر معلقته، و كذلك حينما اختتم لاميته المشهورة بقوله:
فما يك من قول اتوه فإنما توارثه آباء آبائهم قبل
و هل ينبت الخطي إلا وشيجه و تغرس إلا في منابتها النخل
غير أن الإكثار من هذا الفن حسب حازم مؤد إلى التكلف و سآمة النفس، فما كان منه بحسب ما يعن للخاطر من غير تكلف فهو حسن جميل، و ما كان متكلفا كان عيبا لا يبقي للحكمة جِدَّة و لا رونقا
بقلم محمد بن أحمد فلاق
ماجستير النقد و البلاغة الجزائر