تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وابن طباطبا حريص على القوة والمتانة والرقة في الوقت نفسه،لذلك يقول ولا يهلهل شيئا منه، والهلهلة: مهلهل: رقيق سخيف النسج،وثوب هلهل: رديء النسج، يقول النابغة:

أتاك بقول هلهل النسج كاذب ولم يأت بالحق الذي هو ناصع

وسمى الشاعر مهلهلا:لرداءة شعره، أو لأنه أول من أرق الشعر، أو لأنه لم ينقح شعره وأرسله كما حضره ()، وهذا يعني أن الرقة المطلوبة في الشعر ليست رقة ضعف وإنما رقة تدفق وكثرة.وقد رأى الجاحظ (ت255هـ) من قبل أن الشعر ضرب من النسج وجنس من التصوير (). وفي العصر الحديث يرى (آبر كرومبي):أن لغة الشعر ليست رمزا إلى فكرة فحسب"بل هي نسيج متشعب من صور ومشاعر، أنتجتها التجربة الإنسانية، وثبتت في اللفظة،فزادت معناها خصبا وحياة" ().

المصطلحات المرادفة للنسج-المعبرة عن مفهومه

استخدم ابن طباطبا غير اسم أو مصطلح للتعبير عن مفهوم النسج منها:

النظم:

أشار ابن طباطبا مرات عديدة إلى " النظم "، فقد عرف الشعر بأنه " كلام منظوم بان عن المنثور الذي يستعمله الناس في مخاطبتهم بما حفي به من النظم الذي إن عدل به عن جهته مجته الأسماع وفسد على الذوق ونظمه معلوم محدود، فمن صح طبعه وذوقه لم يحتج إلى الاستعانة على نظم الشعر بالعروض التي هي ميزانه، ومن اضطرب عليه الذوق لم يستغن عن تصحيحه وتقويمه بمعرفة العروض والحذق بها حتى تصير معرفته المستفادة كالطبع الذي لا تكلف معه" (العيار ص5ـ6).

فالنظم هنا هو الوزن العروضي أو الموسيقى الخارجية، وهذا الفهم ليس المقصود بالنظم المرادف للنسج. وسوف نجد ابن طباطبا لا يعود لاستخدام النظم للدلالة على الوزن في كتابه وإنما يستخدمه مرادفا للنسج، فهو يشير إلى الدلالة الاصطلاحية للنظم حين يذكر سبب تأليف الكتاب، ووصف الشعر " والسبب الذي يتوصل به إلى نظمه "، فالكتاب مصنف في نظم الشعر وليس في موسيقى الشعر الخارجية أو الأوزان العروضية. إن مدار الحديث في الكتاب نظم الشعر، مما يعني أن النظم في الكتاب، لا يساوي العروض وإنما العروض جزء من النظم ويستعان على النظم بالعروض.

وتحدث عن الأدوات التي تمنع الخلل في نظم الشعر فذكر منها: "التوسع في علم اللغة، والبراعة في فهم الإعراب، والرواية لفنون الآداب، والمعرفة بأيام الناس وأنسابهم ومناقبهم، ومثالبهم، والوقوف على مذاهب العرب ....... ، والتصرف في معانيه في كل فن قالته العرب فيه وسلوك منهاجها في صفاتها ومخاطباتها وحكاياتها وأمثالها، والسنن المستعملة منها، وتعريضها وتصريحها، وإطنابها وتقصيرها، وإطالتها وإيجازها، ولطفها وخلابتها، وعذوبة ألفاظها، وجزالة معانيها، وحسن مباديها، وحلاوة معاطفها، وإيفاء كل معنى حظه من العبارة، وإلباسه ما يشاكله من الألفاظ حتى يبرز في أحسن زي وأبهى صورة، واجتناب ما يشينه من سفساف الكلام وسخيف اللفظ، والمعاني المستبردة والتشبيهات الكاذبة والإشارات المجهولة، والأوصاف البعيدة والعبارات الغثة، حتى لا يكون ملفقا مرقوعا بل يكون كالسبيكة المفرغة، والوشي المنمم، والعقد المنظم، والرياض الزاهرة، فتسابق معانيه ألفاظه فيلتذ الفهم بحسن معانيه كالتذاذ السمع بمونق لفظه، وتكون قوافيه كالقوالب لمعانيه، وتكون قواعد للبناء يتركب عليها ويعلو فوقها، ويكون ما قبلها مسبوقا إليها، ولا تكون مسبوقة إليه فتقلق في مواضعها، ولا توافق ما يتصل بها، وتكون الألفاظ منقادة لما تراد له، غير مستكرهة ولا متعبة، مختصرة الطرق، لطيفة الموالج، سهلة المخارج" (العيار ص 6ـ7).

يلخص ابن طباطبا في هذه الفقرة الطويلة، ما يتعلق بجانب العملية الإبداعية الشعرية من حيث الشكل والمضمون، والكتاب في ما بعد تفصيل لهذا الإيجاز المكثف،ويشكل ببعديه الشكلي و المضموني، المفهوم الكلي لعملية النظم.

ويتحدث عن النظم بين الأبيات المتناثرة، في أثناء ولادة العمل الشعري، بأبيات ناظمة لما هو متفرق، تكون سلكا جامعا لما تشتت منها " فإذا كثرت الأبيات وفق بينها بأبيات تكون نظاما لها، وسلكا جامعا لما تشتت منها " (العيار ص8).

وشبه الشاعر بناظم الجوهر، فقال:"وكناظم الجوهر الذي يؤلف بين النفيس منها والثمين الرائق ولا يشين عقوده بأن يفاوت بين جواهرها في نظمها وتنسيقها ". (العيار ص8)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير