تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالنظم حسب ما جاء عند ابن طباطبا يتجاوز العروض و الوزن الموسيقي، إلى استواء النص من حيث اللغة والمعنى.

ويستخدم ابن طباطبا النسج والنظم في سياق واحد عاطفا النظم على النسج، مما يوحي أنه من قبيل الترادف بين المصطلحين يقول: " ويعد لكل معنى ما يليق به ولكل طبقة ما يشاكلها حتى تكون الاستفادة من عقله في وضعه الكلام مواضعه أكثر من الاستفادة من قوله في تحسين نسجه وإبداع نظمه " (العيار ص9).

وقد يتعلق النظم بالألفاظ،يقول: " والشعراء في عصرنا إنما يثابون على ما يستحسن من لطيف ما يوردونه من أشعارهم، وبديع ما يغربونه من معانيهم، وبليغ ما ينظمونه من ألفاظهم، ومضحك ما يوردونه من نوادرهم، وأنيق ما ينسجونه من وشي قولهم " (العيار ص13).يتحدث ابن طباطبا عن الألفاظ والمعاني والنظم وهي عناصر العمل الأدبي الأساسية، مما يؤشر إلى أن النظم هو النسج.

ويشير إلى النظم في معرض حديثه عن الأشعار المحكمة المتقنة المستوفاة المعاني، الحسنة الوصف، السلسلة الألفاظ، التي قد خرجت خروج النثر سهولة وانتظاما، فلا استكراه في قوافيها،ولا تكلف في معانيها، ولا عي لأصحابها فيها " (العيار ص82). تندرج ملاحظاته ضمن الملاحظ الأسلوبية المتعلقة بالجانب الشكلي من الشعر: الأشعار المحكمة، وسلالة الألفاظ، ثم الملاحظة الأسلوبية المهمة في هذا المضمار الأشعار" التي قد خرجت خروج النثر سهولة وانتظاما وهو يشرح السهولة والانتظام بقوله:"فلا استكراه في قوافيها، ولا تكلف في معانيها، ولاعي لأصحابها "، فالسهولة تعني البعد عن التعقيد والتكلف بسبب قيود الوزن الذي يفرض على الشاعر غير المقتدر ألفاظا وتراكيب معقدة متكلفة من أجل إقامة الوزن، الأمر الذي لا نجده في النثر.

والانتظام الذي يذكره ابن طباطبا يتعلق بالنسج والتأليف وليس بالوزن والعروض، لأنه نسبه إلى النثر، أي انتظام الألفاظ والتراكيب والمعاني في النثر.

والنظم عند ابن طباطبا ملاءمة التأليف بين الكلمات في البيت وملاءمة التأليف بين الأبيات؛ فقد نبه على ضرورة النظم بقوله:" وينبغي للشاعر أن يتأمل تأليف شعره، وتنسيق أبياته، ويقف على حسن تجاورها أو قبحه فيلائم بينها لتنتظم له معانيها ويتصل كلامه فيها، ولا يجعل بين ما قد ابتدأ وصفه وبين تمامه فضلا من حشو ليس من جنس ما هو فيه فينسى السامع المعنى الذي يسوق القول إليه. كما أنه يحترز من ذلك في كل بيت فلا يباعد كلمة عن أختها، ولا يحجز بينها وبين تمامها بحشو يشينها. ويتفقد كل مصراع هل يشاكل ما قبله فربما اتفق للشاعر بيتان يضع مصراع كل واحد منها في موضع الآخر، فلا يتنبه على ذلك إلا من دق نظره ولطف فهمه " (العيار ص209).

إن نص ابن طباطبا غني بألفاظه الدالة على مفهوم النظم (النسج)، فقد استعمل التأليف والتنسيق والتجاور والملاءمة والتنظيم والاتصال، واستعمل عبارات مثل: لا يباعد، ولا يحجز، ولا يجعل حشوا، فهذه الألفاظ والعبارات إشارات أسلوبية تلتقي في دلالة رئيسة واحدة هي النسج المتين القوي. وتكشف هذه الإشارات عن أهمية النسج عند ابن طباطبا ومدى حضوره في ذهنه وحضور إجراءاته النقدية. فهو حضور مكثف، يؤكد الترابط القوي بين الألفاظ المتجاورة، وهو تجاور قائم على التنسيق والترابط وليس تجاورا مفككا، فثمة تأثر وتأثير بين الألفاظ. ولعل أهمّ ما يحظ أن النظم عند ابن طباطبا يتعلق أيضا بنظم المعاني وليس الألفاظ فقط وسوف تتأكد هذه الملاحظة في ثنايا البحث. ويدخل إلى هذا الحقل أسماء أخرى مثل المشاكلة والاتفاق بين الشطر والشطر في البيت الواحد.

ويشمل النظم عند ابن طباطبا اتساق أبيات القصيدة جميعها: "وأحسن الشعر ما ينتظم فيه القول انتظاماَ يتسق به أوله مع آخره على ما ينسقه قائله، فإن قدّم بيت على بيت دخله الخلل كما يدخل الرسائل والخطب إذا نقض تأليفها " (العيارص213).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير