إن كتاب "البصائر" يمتلك بنية عميقة ذات نظام وانتظام، وحتى غن ما يظهر في بنيته السطحية من (عماء) ومن (لا نظام) هو تشكلات لرؤيا فلسفية كونية، وأما حدود وآفاق هذه الرؤيا فتتجلى في القضايا التالية:
-التراتبية والاستقلالية
-التوصيل والتبيين
-التعميم والتخصيص
وهذه الرؤيا جديرة بأن تبعث وتنشر بين الناس في هذا الزمن الذي هيمن فيه التعصب والأنانية والفقر الفكري، على أنها رؤيا تأريخية.
الفصل الثاني: التوازي:
استهل محمد مفتاح هذا الفصل بقصيدة "النبي المجهول" للشابين وتم التركيز هنا على ثلاث خصائص تفترض أن شعر الشابي يحققها بامتياز.
1 - الخصيصة الأولى: وهي التوازي:
وقد تناولها البلاغيون والنقاد العرب القدامى وخصها كبار المنظرين للشعرية المعاصرة بالعناية، غير أنه لم يقتنع بما كتب فيها إلى الآن، ولذلك جعل منها قولة نوعها إلى نوعين: أحدهما دعاه ب"طبيعة التوازي"، وهي تواز تام، وشبه تواز، وتواز تناظري، ويتنوع التوازي التام إلى تواز مقطعين وتواز عمودين وتواز مزدوج، وتواز أحادي، ويتنوع شبه التوازي إلى تواز شطري، وكلمي، وصوتين وإيقاعي. وأما توازي التناظر فهو تواز خطي وكتابي.
وثانيهما سماه ب (نوع العلاقة)، وهي المطابقة، والمماثلة، والمشابهة، والمكافأة، والمواصلة. وقد اعتمد في هذا التخصيص والتدريج على المنطلق النظري ل"نحو الحالات". بعد تبيئته في الثقافة الإسلامية وتكييفه مع الخصائص العربية.
ويضيف مفتاح:"ولم يقتصر تشريحنا على طبيعة التوازي وإنما تعداها غلى تفكيكه لتبيان درجاته وعلائقه. وتحقيقا لهذه المهمة انطلقنا من مقترحات (نحو الحالات) لنترجمها إلى بعض مفاهيم علم الكلام الإسلامي حتى يتسنى لنا اختزال المقولات النحوية التقليدية المتعددة إلى أشكال حالية فإلى علائق حالية قليلة مما يسهل عملية إثبات التوازي بين تعبيرات النص السطحية المختلفة. وقد أبانت هذه المقاربة عن شمولية التوازي بين البنيات التعبيرية المتوالية في النص جميعه ولكن درجاته تختلف تبعا لضرورة آليات نمو النص وتناسله المحكومة بسيرورة الجذب والأبعاد والاشتباه والاختلاف. ليخلص في الأخير باعتبار شعر الشابي هو شعر تواز بامتياز.
2 - الخصيصة الثانية: هي التماسك:
ويتنوع إلى تنضيد، وتنسيق، وتشاكل، وترادف شامل. وهدف هذه المفاهيم هو النظر في ضوئها على مستويات الخطاب المختلفة من حروف وأدوات ومعجم وتركيب ومعنى، فيقصد بالتنضيد ربط كلمة إلى كلمة وجملة إلى جملة وجملة إلى كلمة، وما يقوم بالربط هو حروف المعاني وبعض الأدوات. أما التنسيق فتتم دراسته من خلال المحيلات (الإشارة، الضمير، وآل) ومن جهات الأفعال، ومن خلال المعجم. وأما التشاكل فيقوم على تحديد المفاهيم كتضام لمقولات أو خصائص لإثبات الاختلاف والتماثل بين الثقافات، وللبحث عن البنيات المعرفية الكامنة خلف الأنساق المعجمية لمجتمع ما، ولإثبات انسجام رسالة النص.
وقد تبين أن "التنضيد" و"التنسيق" لا يتناولان تحليل المفردة إلى مقومات للكشف عن بعض الثوابت كما يفعل ذلك التحليل التشاكلي. وقد حاول الباحث أن يجذره فاقترح مفهوم "الترادف" اللغوي الذي هو نتيجة للكليات التجربانية التي ليست خاصة بزمان ولا بمكان. وقد علل بهذه الثوابت سر تقبل الناس أشعار الرومانسيين، ومنهم الشابي الذي تفاعل مع هذا المذهب الأدبي.
3 - الخصيصة الثالثة: هي التفاعل:
وقد فعل بها ما فعل سابقا، فتحدث عن تفاعل الإنسان مع المحيط، وتفاعل الشابي مع الثقافات الأخرى، وتفاعل الشابي مع محيطه ومع نفسه. وقد انعكس تفاعله مع المذاهب الأدبية الأجنبية في مستويين: أحدهما المستوى النقدي، حيث نظر الشابي للخيال، وثانيهما المستوى الإبداعي، فقد جعل من شعره وسيلة للتعبير عن رؤاه ومواقفه وأحلامه وأفراحه وضجره، وعن آمال شعبه في التخلص من العبودية.
الفصل الرابع: التحقيب:
¥