تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تغيير في كلام المتأخرين، وله كلام في ذلك في رسالة التوسل.

وكذلك ألفاظ كـ: "القديم":

فهو في الاصطلاح اللغوي الأول الذي نزل به الوحي يطلق على المتقدم وإن لم يكن أزليا، كما في قوله تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)، وفي اصطلاح المتكلمين الحادث صار يطلق على الأزلي الأول الذي لم يسبق بشيء، ومن هنا جاز الإخبار عن الله، عز وجل، بوصف القدم، دون أن يشتق له منه اسم أو يوصف به.

وحتى ألقاب الفرق الإسلامية مما يصطلح للتمثيل، فوصف الشيعة في القرآن يطلق على جماعة الرجل التي تنصره وتسير على طريقته كما في قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ)، ثم حدث له تطور دلالي فصار علما على فرقة بعينها من فرق القبلة، فلا يمكن حمل المعاني اللغوية الأولى قبل ظهور هذه الفرقة على المعنى الاصطلاحي الحادث المذكور في كتب الفرق والمقالات الإسلامية، وهذا، أيضا، نوع تطور في الدلالة المعنوية للفظ.

وفي أصول الفقه:

يمكن التمثيل بالقضاء فهو في لغة التنزيل يطلق على أداء العبادة، كما في قوله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، ثم حدث التطور الدلالي له في كلام الأصوليين فصار يطلق على قضاء العبادة بعد خروج وقتها، وهذا مبحث متداول في أي كتاب من كتب الأصول.

وقد عنيت كتب الأصول في مبحث الحقائق اللغوية والعرفية والشرعية ببيان ذلك بيانا وافيا، فالحقيقة اللغوية أعمها، والحقيقة العرفية ترد على المعنى العام فتقيده تبعا لأعراف المتكلمين سواء أكانت عامة، أم خاصة كأعراف أصحاب الفنون بل والحرف فلكل فن أو حرفة مصطلحاتها مع أن اللفظ المستعمل واحد ولكن معناه يختلف من عصر إلى عصر، ومن مصر إلى مصر، ومن فن إلى فن.

وكذلك الحقيقة الشرعية ترد على المعنى العام فتقيده تبعا لمراد الشارع عز وجل.

فالصلاة على سبيل المثال في حقيقتها اللغوية: مطلق الدعاء ثم ورد عليها الاصطلاح الشرعي فصارت دعاء مخصوصا هو الصلاة المعهودة، والزكاة هي الطهر والنماء ثم وردت عليها الحقيقة الشرعية المعهودة وهي تطهير خاص للمال بإخراج جزء منه في مصارف حددها الشارع، عز وجل، والصيام: الإمساك ثم صار إمساكا معهودا، والحج: القصد ثم صار قصدا في زمان مخصوص بهيئة وكيفية مخصوصة، والعمرة: الزيارة ثم صارت زيارة مخصوصة إلى البيت الحرام ............. إلخ فتطور المصطلح تبعا لمراد الشارع، عز وجل، ولذلك اصطلح أهل العلم على القول بأن الحقيقة الشرعية: حقيقة لغوية مقيدة بالقيد الشرعي الذي قصرها على معان بعينها، ومثل ذلك في الحقيقة العرفية فهي حقيقة لغوية مقيدة ولكن بقيد العرف الدارج الذي يقع فيه التفاوت تبعا للتطور الدلالي للألفاظ كما تقدم. ولذلك أثر عن أمثال أبي عبيد القاسم بن سلام، رحمه الله، قوله بأن الفقهاء أعلم بتأويل الألفاظ، أو كلمة نحوها، لأنهم أعلم بالأحكام الشرعية التي تدل عليها تلك الألفاظ.

وفي الفقه:

يمكن تتبع حكم الكراهة على سبيل المثال في كلام المتقدمين، قبل أن يطرأ عليه المعنى الاصطلاحي المعروف: ما يثاب تاركه وما لا يعاقب فاعله، بخلاف الكراهة في لغة التنزيل فقد ورد استعمالها في وصف المحرمات، كما في قوله تعالى: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا)، فاسم الإشارة راجع على محرمات بل كبائر تقدم ذكرها في الآيات السابقة، وكذلك الحال في كلام بعض الأئمة، لا سيما الشافعي، رحمه الله، إذ كثيرا ما يقع في كلامه لفظ الكراهة وهو يعني به التحريم، ولذلك أخطأ عليه من أخطأ في مسائل حمل فيها ألفاظه على الألفاظ الاصطلاحية المتأخرة، فصار الإمام يريد بكلامه التحريم والمتأخرون يحملون ألفاظه على المكروه الاصطلاحي، وكذلك كان أحمد، رحمه الله، وقد حمل ذلك على تورعه في إطلاق التحريم، مع أن الأمر محرم عنده.

ولابن القيم بحث قيم في تلك المسألة في: "إعلام الموقعين" عن لفظ: "الكراهة" تحديدا عند الشافعي رحمه الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير