تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولابن الخشاب انتقادات أخرى لمقامات الحريري، ردّ فيها عليه ابن بري لكن ردوده كانت ضعيفة جدا [39]. منها قول الحريري – في المقامة السابعة والثلاثين – ((فسقط الفتى في يده [40]، ولاذ بحقو [41] والده)) انتقده فيه ابن الخشاب لاستعماله تلك الصيغة لأن العرب لا تستعملها، وإنما تقول: ((سقط في يد فلان إذا ندم، ولا يقال سقط فلان في يده، قال - تعالى -: ((ولما سقط في أيديهم)) - سورة الأعراف/ 149 - ولم يقل سقطوا في أيديهم ... وفاعل سقط مضمر لا يظهر، معناه الندم فكأنه - واللّه أعلم – سقط الندم في يد فلان، وليس المعنى سقط فلان في يد نفسه، هذا محال لا يجوز عليه ولا يعطيه لفظ هذا الكلام ولا معناه، وهذا الغلط من فاحش غلط الحريري في مقاماته)) [42].

وأما ابن بري فقد اعترف بخطأ الحريري في هذا الموضع، وقرر أنه لا يصح ذكر الفتى وصوابه أن يقول: فسقط في يده من غير ذكر الفتى ولا يكون في سقط ضمير الفتى، لأنه فعل غير متعد، والجر والمجرور في رفع به. لكنه خطأ كذلك ابن الخشاب وزعم أنه نطق كلمة: سقط بفتح السين لا بضمها. بدليل قوله: ((وفاعل سقط مضمر لا يظهر، ومعناه الندم)) [43]. لكن المصحح [44] يرى: ((أن قول ابن الخشاب هذا لا يعين أنه أراد: سقط بفتح السين، وقد فات ابن بري أيضا أن الأفعال التي جاءت ملازمة للمجهول، لا يقال ونائب فاعلها، وإنما يعرب فاعلا مع هذه الصيغة، فلا دليل لابن بري في ذلك)) [45]. وهذا صحيح لأن ابن الخشاب بين أن الفاعل مضمر؛ ولا يلزم ذلك القول بأن الفعل سقط ليس مبنيا للمجهول، لأنه كان في معرض التوضيح، بدليل أنه استشهد بقوله - تعالى -: ((ولما سقط في أيديهم)) وهي مبنية للمجهول. ويبدو أن ابن بري قد أحسّ بضعف ما ذهب إليه فعاد و افترض احتمال تصرف الناسخ في كلام ابن الخشاب، فكتب سقط بفتح السين بدلا من ضمها، وبذا يكون كلامه مستقيما وردّه صحيحا [46].

وفي مقامات الحريري مواضع انتقده فيها ابن الخشاب يظهر فيها تحامله عليه، عندما أصدر أحكاما بتخطئته فيها، وهي محل خلاف [47]. منها أنه أخذ عليه قوله: ((ثمّ أنه اختبن [48] خلاصة النضّ [49]، وبدر ضاربا في الأرض)) فاستعماله لكلمة خلاصة بمعنى خالص الشيء ليس بصحيح وإنما هي ما يلقى من الشيء ويسقط عند التخليص، كالنخالة والبراية فهو ما يرمى من البري، والقمامة. فهو مخطأ في هذا الاستعمال على كل حال [50]. لكن ابن بري يرى أن الحرير لم يخطأ، وقوله صحيح لأن لفظ: الخلاصة مختلف فيه، فقال بعض الناس أنه: ما يلقى من الشيء، وقال آخرون: إنه خالص الشيء، وبذا يكون ابن الخشاب قد أخطأ عندما قطع بتغليط الحريري، مما يعني أنه ((لم يعلم فيه خلافا، أو تركه مع العلم به)) [51]. ونحن في وقتنا الحاضر معنى الخلاصة هو: زبدة الشيء، وما يستخرج من المادة حاويا لخصائصها [52].

ومنها قول ابن الحريري – في المقامة الثانية والأربعين –: ((إلى أن طال الأمد وحصحص [53] الكمد)) انتقده ابن الخشاب في استعماله لكلمة حصحص مع غير لفض الحق، لأن ذلك في رأيه لا يكد يستعمل. فلو قال: حصحص الباطل، وحصحص الشرّ، كان بعيدا عن استعمال العرب لكلمة حصحص [54]. لكن ابن بري لم يوافقه على ذلك، وذهب إلى القول بأن ابن الخشاب انفرد بما قاله، وحمله عليه قوله - تعالى -: ((الآن حصحص الحق)) - سورة يوسف/51 - والأمر ليس كما ظن، لأن الذي عليه أهل اللغة أن حصحص الشيء معناه: ظهر، ووضح، ولم يخص بحق ولا بغيره من الألفاظ [55]. وقوله هذا صحيح [56]، لكن ابن الخشاب لم يجزم فيما ذهب إليه، وإنما قال: ولا يكاد يستعمل ذلك))، مما يعني أنه لم يقطع بتخطئة الحريري.

وأخيرا فقد تنازع ابن الخشاب وابن بري في استعمال الحريري لكلمة: نجوس [57]، في قوله: ((فأقبلنا نجوس خلالها ونتفيأ ظلالها)) [58]. ولم يتنبها إلى خطأ واضح أمامهما، هو استخدام الحريري لفظ: نتفيأ في قوله: ((نتفيأ ظلالها))، وهو فعل لازم، لا يتعدى إلى مفعول به، وإنما يأتي دائما فعلا لازما، وقد عداه الحريري ولا حق له في ذلك [59].

ثانيا: تعقيبات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير