ابن سينا ركز على التخييل ودوره في المتلقي فالتخييل يترك أثرا واضحا في المتلقي فيقول " والمخيِّل هو الكلام الذي تذعن له النفس فتنبسط عن أمور، وتنقبض عن أمور من غير روية وفكر واختيار، وبالجملة تنفعل له انفعالاً نفسانياً غير فكري، سواء كان المقول مصدَّقاً به أو غير مصدق. فإن كونه مصدقاً به غير كونه مخيلاً أو غير مخيل: فإنه قد يصدق بقول من الأقوال ولا ينفعل عنه، فإن قيل مرة أخرى وعلى هيئة أخرى انفعلت النفس عنه طاعة للتخييل لا للتصديق فكثيراً ما يؤثر الانفصال ولا يحدث تصديقاً وربما كان المتيقن كذبه مخيلاً. " (2)
وعن طريق التخييل استطاع ابن سينا التفريق بين الشعر وغيره من الفنون كالنثر و الخطابة فيقول " الشعر يستعمل التخييل والخطابة تستعمل التصديق. " (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - مقالة في قوانين صناعة الشعراء ص 161 كتاب فن الشعر ترجمة عبد الرحمن بدوي
2 - نفس المصدر ص 163
3 - نفس المصدر ص 161
(6)
تأثرابن سينا بالفارابي تأثرا كبيرا في قضية المحاكاة أو التخيل والتخييل، وأفاد منه حتى أنه طور هذه الفكرة بعد ذلك والمحاكاة عند ابن سينا هى: " والمحاكاة هي إيراد مثل الشيء، وليس هو هو، فذلك كما
يحاكى الحيوان الطبيعي بصورة، هي في الظاهر كالطبيعي " (1)
ويعلق الدكتور/ سعد عبد العظيم على تعريف المحاكاة عند ابن سينا، بأنه يفهمها أنها ليست نقلا حرفيا للواقع كما صرح بذلك أرسطو، وإنما هى محاكاة الشيء بإحدى طرق ثلاث: إما بأمور موجودة في الحقيقة، وإما بأمور يقال أنها كانت موجودة، وإما بأمور ستوجد وتظهر (2)
ويقول ابن سينا في هذا الشأن " إن المحاكاة التي تكون بالأمثال و القصص ليس هو هو من الشعر بشيء بل الشعر أن يتعرض لما يكون ممكنا في الأمور وجوده أو لما وجد دخل في الضرورة " (3)
وعاب الدكتور/ سعد عبد العظيم على ابن سينا في خلطه بين الخطأ الجوهر و الثانوي، فهو يرى أنه خلط في حديثه عن المحاكاة بين مفهوم الخطأ الجوهري و الخطأ الثانوي، وأشار إلى أن ابن سينا قد عاب على الشاعر إذا أتى بهما أو بأيهما عكس أرسطو الذي عاب فقط الخطأ الجوهري.
مفهوم الخطأ الثانوي (أن يخطىء الشاعر في الوصف عكس الحقيقة بأننا نقول مثلا الجواد يمد قدميه الأماميتين)
مفهوم الخطأ الجوهري (محاكاة الشاعرلشيء مستحيل فيعجز عن ذلك) (4)
وأوضح ابن سينا أن المحاكاة في الشعر عنده هى الكلام و اللحن و الوزن وأن للمحاكاة تلذذا يقول " و الدليل على فرحهم بالمحاكاة أنهم يسرون بتأمل الصور المنقوشة للحيوانات الكريهة والمتقذر منها ولوشاهدوا أنفسها لتنكبوا عنها " (5)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – نفس المصدر ص 168
2 - انظر قضايا ونصوص نقدية: د/ سعد عبد العظيم ص 54 دار الهاني
3 - فن الشعر ص 183
4 - انظر قضايا ونصوص نقدية: د/ سعد عبد العظيم ص 56 دار الهاني
5 - فن الشعر ص 192
(7)
وتجدر الإشارة هنا إلى قضية هامة جدا وهى أن ابن سينا ذكر لنا في ترجمته لكتاب فن الشعرأن أرسطو كان مقصورا على الأدب اليوناني فقط في حديثه عن الشعر، وعلى ذلك لم يتورط ابن سينا في تطبيقه للشعر فكان يعلم أن كل ما جاء في كتاب الشعر لا يصلح تطبيقه على الشعر العربي
" إذ أكثر ما فيه اقتصاص أشعار ورسوم كانت خاصة بهم ومتعارفة بينهم يغلبهم تعارفهم إياها عن شرحها وبسطها " (1)
ويلمح ابن سينا بدقة الفرق بين الشعر العربي، والشعر اليوناني على نحو يدل على أنه يعي طبيعة كلا منهما، فيقول في طبيعة الشعر اليوناني:
" و الشعر اليوناني إنما كان يقصد فيه في أكثر الأمر محاكاة الأفعال و الأحوال لا غير " (2)
ويقول في طبيعة الشعر العربي:
" وكانت العرب تقول الشعر لوجهين أحدهما ليؤثر في النفس أمرا من الأمور تعد
به نحو فعل وانفعال و الثاني للعجب فقط فكانت تشبه كل شيء للتعجب بحسن
التشبيه وأما اليونانيون فكانوا يقصدون أن يحثوا بالقول على فعل أو يردعوا
¥