تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العلمية من جديد، فى زمن انهيار الأفكار السياسية والثقافية العربية الكبرى، وتهافت الأنساق الثقافية الكلية، وسقوط النماذج المعرفية والتاريخية الكلية المجردة، وبزوغ ما يعرف بمنهجية العلوم البينية التداخلية، والدخول فى عصر الاختلاف لا الجدل، والتعدد لا الواحدية، والتحول لا الثبات، بل صار العلم التجريبى نفسه لا الإنسانى استعارات مفهومية غير تكوينية، وسقوط فكرة النموذج العلمى الرصين، وفكرة الموضوعية المطلقة، والمنهج الجمالى الواحد، وبزوغ سياسات الحقيقة لا حجج الحقيقة، وتداخل التخييلى بالعقلانى فى رؤيتنا لأنفسنا ونصوصنا وواقعنا، حتى بات العقل العلمى نفسه يسبح فى تكوينات نفسية وروحية وتخييلية مثلما ادعى طويلا موضوعيته وحياده ونزاهته، فصار العلم هو الفعل العلمى لا النظر العلمى كما يقول يحيى الرخاوى، وصار المنهج هو سياسة المنهج، وصار العقل هو مجاز العقل، كما يقول كل من مارك جونسون وجورج لا يكوف فى كتابتهما المهم للغاية والذى غير العقل الفلسفى الغربى المعاصر (الاستعارات التى نحيا بها))،لقد اكتشفت الفلسفات الغربية المعاصرة عن تداخل الجسدانى بالعقلانى فى بنية العلم التجريبى نفسه فصرنا نحيا حياتنا العقلية اليومية بالاستعارات كما يقول كل من (جورج لايكوف ومارك جونسون) فى كتابهما المعروف (الاستعارات التى نحيا بها))،فنحن حينما نفكر في أي موضوع سواء كان علما تجريبيا أم علما جماليا أم فلسفيا أو حتى رياضيا بحتا لا نفكر فيه بطريقة عقلانية مجردة كما فهم خطا على مدار نظريات المعرفة الغربية، بل نفكر فيه بطريقة مجسدة، فنحن نفكر بالكلمات، والكلمات بطبيعتها مستغرقة في حسيات العالم وتجاربه وآثار الواقع ومخلفاته، وأهواء الذات وأشواقها وتحيزاتها الخاصة والعامة، فالكلمات التي نفكر بها تصنع قيمنا وسلوكنا في الحياة ولا يمكن للكلمات أن تنفك بأي صورة من الصور عن تجربتنا الحسية والجسدية، وكل نشطات الذهن مثل " الانعكاس والتوقع والتقرير (أخذ القرار) والتخيل والتذكر والتعجب والاستبصار والعزم والإيمان، وعدم الإيمان، والتأمل والاستنتاج والتكهن والاستبطان)، كل ذلك لا يمكن وعيه إلا من خلال إدراكنا الحسي ذاته، وتجربتنا الجسدية بالعالم من حولنا، فالتفكير البشري من أساسه لا يخرج – ولو حاول – عن حدود التجسيد مارا بممررات التجسيد، يقول صاحبا كتاب (الاستعارات التي نحيا به): جورج لايكوف، ومارك جونسون: (إن التجربة الحسية والمادية هي الأساس الذي يتحكم في تصوراتنا وفهمنا للعالم والطريقة التي نجعل فيها من العالم أمرا منظما ومفهوما، هذا يعني أن العقل لا ينفصل عن تجربة الجسد ((ولاحظ هنا نفاذ الوعي الشعبي عندما قال في الأمثال: العقل السليم في الجسم السليم)) بل إن التجربة العقلية في كثير من جوانبها تقع تحت سيطرة الجسد المجازية، وسيطرة النماذج المعرفية والثقافية والجمالية الكامنة فى جسد الثقافة نفسها، حيث ينقل العقل من خلال الاستعارة بني التجارب المادية كالحركة والرؤية البصرية والاحتواء ومنطقها وتفاعلاتها، ليشكل منها المفاهيم المجردة كالمفاهيم السياسية والفلسفية والجمالية وغيرها))،وأظن ان الدرس النقدى والجمالى والمعرفى فى بلادنا سيتغير على حد كبير لو أحسن الإصغاء إلى هذه التصورات العلمية الجديدة، ورأى أن المصطلحات تنمو بالجدل والتعدد، وأن تأسيس المصطلحات جهد جماعى جهيد لاجهد فردى عبقرى، انتهى عصر العبقريات الفردية ودخلنا إلى عصر النتاجات المعرفية السياقية الكتلية الكلية، ولقد ظهر جيل جديد من الباحثين العرب الجادين فى جميع أنحاء العربى يتابعون هذا الدرس الفلسفى والمعرفى والجمالى الجديد منهم الدكتور البحاثة العمانى عبد الله الحراصى، والكاتب البحرينى على الديرى، والكتابات الأخيرة للمفكر المصرى الراحل عبد الوهاب المسيرى خاصة كتابه ((اللغة والمجاز: بين التوحيد ووحدة الوجود))،واجتهادات الدكتور محمد أحمد السيد فى فلسفة العلم المعاصرة، واجتهاداتى ـ أيمن تعيلب ـ النقدية المتواضعة فى مصر، و فى المغرب نرى اجتهادات عبد الباسط لكرارى فى تأصيل مفهوم الخيال والعقل والعلم فى الثقافة النقدية العربية المعاصرة، وعبد العزيز بن عرفة فى التفكيك، وعبد العزيز بومسهولى فى الوجود والزمان وكلهم كتاب مغاربة كبار، وفى تونس نرى اجتهادات مصطفى الكيلانى، واجتهادات سعد البازعى وسعيد السريحى وعبد الله الغذامى وميجان الرويلى فى المملكة السعودية، وغيرهم كثيرون، وفى نهاية هذا المقال لى رجاء علمى وأخلاقى معا أن نرتفع فى جميع تصوراتنا العلمية والجمالية والمنهجية والأخلاقية عن سياق الادعاء والفردية والانعزالية إلى سياق السماحة والتعدد والتواضع الحق الذى يرى حد العلم منحصرا فى القدرة على الوعى بحدود الجهل.

ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[19 - 09 - 2009, 05:02 م]ـ

شكرا على هذا النقل المثري د عصام

لي عودة للقراءة و المناقشة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير