تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الوزن في العربية مقطعي كمي، أي زمني، مبني على توالي المقاطع القصيرة والطويلة بنظام محدد. وتتحدد السرعة في البنية التجريدية للوزن بطول الوحدة الإيقاعية (التفعيلة)، فمثلا: (فاعِلُن) تساوي (فَعولُن)، تتألفان من طويلين وقصير. وهما أقصر، وبالتالي أسرع، من (فاعِلاتُن). أما حركية الإيقاع لهذه البنية التجريدية فتتحدد بنظام ترتيب المقاطع، فمثلا (فاعِلُن) أكثر حركية من (فَعولُن)، ذلك أن التنقلات في (فاعلن) ذات انسياب طباقي، فالنقلة الأولى هابطة من الطويل إلى القصير، القوي إلى الضعيف، العالي إلى الخفيض (24)، والثانية صاعدة من القصير إلى الطويل. أما (فَعولُن) فانسيابها صاعد، فالنقلة الأولى فيها صاعدة (قصير فطويل)، والثانية مستوية (طويل فطويل). فيبدو المقطع الأخير فيها وكأنه امتداد للذي قبله، إذ تسكن تصاعدات الحركة في مستوى الطويل الأول. ولهذا توصف (فاعلن) بأنها حركة جامحة لاهثة، و (فعولن) بأنها حركة رخية هادئة (قارن: قادمٌ، قديمٌ). ولـ (فاعِلاتُن) ما لـ (فاعِلُن) من الحركية، وما لـ (فَعولُن) من التوازن والامتداد. أما (مستفعِلُن)، وهي تساوي (فاعلاتن) طولا، فليس لها حركية (فاعلاتن)، ذلك أن الامتداد (توالي طويلين) يقع في بداية الوحدة الإيقاعية لا في نهايتها (قارن: قادماتٌ، مستقدمٌ).

لكن المعول عليه هو التجسيد الصوتي لهذه البنى التجريدية (التفعيلات)، والذي قد يبرز سماتها الإيقاعية أو يخففه، فالتفعيلات قوالب عروضية تضبط الإيقاع وتنظمه وتوجهه، فهي وحدات مولدة للموسيقى، أما التمثيلات الصوتية فهي التي تحدد ملامح النغم الموسيقي، وهذا سبب تنوع الموسيقى في القصائد المؤسسة على وزن واحد. فمثلا: إيقاع (لعوبٌ) أسرع وأخف وأسلس من إيقاع (زجومٌ)، ذلك لخفة اللام والعين ومرنانيتهما مقابل خشونة الزاي والجيم واضرابهما.

فالقول إن للرمل موسيقى سريعة بإطلاق لا يسلم. فهو يوحي بالسرعة لما في وحدته الموسيقية من حركية متأتية من نظام ترتيب المقاطع الثلاثة الأولى فيه (طويل فقصير فطويل)، ولا يكون سريعا بحق إلا في حال توارد التفعيلة المزاحفة السريعة بطبيعتها والأقصر زمنا من السالمة، وهي (فَعِلاتُن) وتشكل من تتابع قصيرين فطويلين. وعلى الرغم من ذلك، يتوفر الرمل على طاقة لتوليد موسيقى متراخية لتتابع طويلين في نهاية الوحدة الموسيقية التي يمكن معها مد الصوت في حال كان المقطعان مفتوحين، أي تعتمد على التشكيلات الصوتية لهما.

وقد تنوعت موسيقى قصيدة عزلة بحيث جاء بناؤها متداخلا ومتغيرا من حركة إلى أخرى من حركات القصيدة. فالحركة الأولى (زادنا السكر سوادا) ذات إيقاع متراخ امتدادي، بفعل ألفات المد. وإن كانت لا تعدم حركية الرمل، وهذا سر التداخل الموسيقي فيها. بما يتوافق مع إيقاع المعنى الموحي بتراخي الزمن.

أما الحركة الثانية (هكذا نفتتح السهرة أو نختمها) فهي سريعة إيقاعا وصوتا. تبعا لتفعيلة المزاحفة، وكثرة الأصوات المهموسة التي تعطي نغما خافتا متلاصقا.

وثمة ازدواجية في الموسيقى المنبعثة عن الحركة الثالثة (الندامى يرفعون الليل بالليل جميعا)، إذ تكثر المقاطع الطويلة المغلقة قياسا إلى المفتوحة (7: 4)، وهي تولد إيقاعا شديد الوقع بفعل المقاطع المغلقة، ولينا في آن معا، وذلك لما تتوفر عليه الأصوات المقفلة للمقطع من الرقة والخفة واللين، فجميعها أصوات مائعة من أرق أصوات العربية، ويقابلها امتداد الإيقاع في المقاطع المفتوحة.

أما القافية فلها استحقاق جمالي يرتبط باستحقاقها الدلالي. فهي (سوادا، فرادى) مطلقة بالألف مردفة بها. فالإرداف يكسب إيقاع القافية وضوحا. أما الإطلاق فله قيمة إيقاعية غنائية، لما في حروف المد، والألف خاصة، من ترنمية وإطالة تناسب الغناء، فالعرب إذا أرادت الترنم مدت الصوت. وتقابل هذه الدندنة الواضحة القوية الممتدة بامتداد الألفين شدة الروي. فالدال صوت وقفي (شديد باصطلاحات القدماء). فكأن ألف الردف توقف فجأة بالدال لتتدفق ثانية بألف الإطلاق. فتنتج القافية نغمة صاعدة متوالية التصاعد، وبذلك تكسر نسقية الوزن المتسارع بامتداديتها المتراخية، وهذا مكمن قيمتها الجمالية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير