تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لم يختلف الفقهاء [1] الأقدمون والمعاصرون في مسألة المدة الأدنى للحمل، فما استنبطه الفقهاء من الآيات الكريمة أكده الطب في العصر الحديث من إمكانية ولادة الطفل لتمام الأشهر الستة، حيث يعرف هذا الوليد بـ"الطفل الخديج"، وقد استنبط علماؤنا أدنى مدة للحمل من قوله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) [الأحقاف: 15]، وقوله تبارك وتعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) [البقرة: 233]؛ فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أقل الحمل ستة أشهر لأن الله تعالى قال (الآيتين) فإذا أسقطت حولين من ثلاثين شهرا بقيت ستة أشهر، وهي مدة الحمل، وهذا من بديع الاستنباط [2]. ومعنى هذا أن الولد الذي يولد لتمام ستة أشهر من وقت الدخول على رأي الجمهور، ومن وقت العقد على رأي الأحناف يلحق نسبه بالزوج، لقيام الفراش في هذه المدة.

القاعدة الحاكمة للنسب بعد الفرقة:

النسب بعد الفرقة وأقصى مدة الحمل.

أقصى مدة الحمل:

تفيد معرفة المدة القصوى للحمل في إثبات نسب ولد المعتدة من طلاق أو وفاة، وابن المفقود والغائب، أو المفترق عنها بسبب الزواج الفاسد.

وحيث إن هذه المسألة لم يرد فيها نص سوى ما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها في قولها "ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عمود المغزل" [3]؛ فإن آراء الفقهاء جاءت متباينة ومختلفة، فمنهم من ذهب إلى أن أقصى الحمل سنتين وهم الحنفية [4]، ويرى الشافعية أن غالب مدة الحمل تسعة أشهر، وأما أكثره فهو أربع سنين [5]؛ وبالرأي الأخير قال الحنابلة، وهو في ظاهر المذهب [6]، وفي المشهور عند المالكية [7] هو خمس سنين؛ وخلافا للمالكية ذهب محمد بن عبد الله بن عبد الحكم إلى أن أقصى مدة الحمل (سنة قمرية) [8]، وهو مذهب الظاهرية أيضا [9].

والحقيقة أن مجمل الآراء اعتمد فيها الفقهاء على روايات النساء، فقد جعل الفقهاء العرف والعادة معتمدهم حيث لا نص؛ فهذه المرأة تدعي أنها حملت ثلاث سنين بابنها، والأخرى تدعي أن جارتها فلانة حملت بأولادها مدة الأربع سنوات، وغيرها مما رواه الفقهاء في كتبهم، "ومما شجع الفقهاء على هذا التوجه، ما علموه من قصد الشريعة إلى الستر على الأعراض والتضييق ما أمكن على الاتهام بالزنا" [10].

أما الأحناف فإن معتمدهم قول السيدة عائشة -رضي الله عنها المتقدم-، فقد قال ابن الهمام: "ولا يخفى أن قول عائشة رضي الله عنها مما لا يعرف إلا سماعا، وهو مقدم على المحكي لأنه بعد صحة نسبته إلى الشارع لا يتطرق إليه الخطأ" [11]. وقولهم هذا نقضه الإمام ابن حزم بقوله: "أن جميلة بنت سعد (ناقلة القول) مجهولة، لا يُدرى من هي. فبطل هذا القول- والحمد لله رب العالمين- " [12].

وأما باقي الأقوال [13] فإن الطب ينفي أكثرها، حيث ثبت علميا أن أقصى مدة الحمل هي تسعة شهور بتمامها يضاف لها أسبوعان للاحتياط، (أي 280 يوما)، وبعدها (أي هذه المدة) لا يمكن للجنين أن يبقى حيا، مما يدفع الأطباء إلى إجراء العمليات القيصرية لكل تأخر عن الأشهر التسعة [14]. أما ما روته النساء فمما يدخل في دائرة تأخر حيض المرأة لسبب من الأسباب كالرضاع [15] حيث إنه يعد سببا قويا يمنع مقدم الحيض لحين جفاف الحليب من ثدي المرأة المرضع، وبانخفاض هرمونات الحليب [16] فإن الحيض يعود إلى المرأة فتحمل بعده مباشرة في حال عدم استعمالها لأي عازل أو مانع للحمل؛ فيقال إن المرأة حملت سنتين أو أربع سنين وهي مدة اختفاء الحيض، وعلى أساس أن الحيض سينقطع حتما للحمل، حيث لا تبييض في فترة الحمل ومن ثم لا إخصاب، ولا حيض. وهي أمور تصدق فيها المرأة في العصر القديم، خاصة إذا كانت من النساء اللواتي عهدن صادقات؛ ومن ثم لا يمكن نكران هذه القصص، و لا أقول إن الأقوال المروية عن الفقهاء "إنما هي أخبار مكذوبة فعلا، نسبت زورا إليهم" كما ذهب لذلك الدكتور عبد الغفار سليمان البندراني- محقق كتاب "المحلى"- إنما أقول إن النساء لم يكذبن بل روين واقع حالهن، فكل انقطاع حيض فسّرنه حملا، والحقيقة غير ذلك، فأسباب انقطاع الحيض كثيرة كما تقدم، وهو ما ثبت طبيا، وتعرفه النساء عادة.


¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير