[المفارقة في القرآن الكريم]
ـ[محمد سعد]ــــــــ[11 - 07 - 2007, 10:04 م]ـ
مفهوم المفارقة
المفارقة صيغة من التعبير، تفترض من المخاطب ازدواجية الاستماع، بمعنى أن المخاطب يدرك في التعبير المنطوق معنًى عرفيًّا يكمن فيه من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه يدرك أن هذا المنطوق _ في هذا السياق بخاصة- لا يصلح معه أن يأخذ على قيمته السطحية، ويعني ذلك أن هذا المنطوق يرمي إلى معنى آخر يحدده الموقف التبليغي وهو معنى مناقض عادة لهذا المعنى العرفي الحرفي.
بناء على ذلك تبدو المفارقة نوعاً من التضاد بين المعنى المباشر للمنطوق والمعنى غير المباشر ويتخصص هذا المفهوم قليلا في المفارقة الدرامية.
والمفارقة نوع من الدلالة المحوَّلة في مقابل الدلالة الأولية، إنها تصوير آخر للمعنى، يومئ إلى المعنى العكسي ومن أجل ذلك يترجم أو يحول إلى ضده.
والمفارقة تعبير انتقادي يعرض ملمحاً سلبياً فيه مغالاة أو مبالغة، فيهوِّن من شأنه. وربما جعلت المفارقة (في الوقت نفسه) أداة تلطيفية
المفارقة نوعان رئيسيان، هما:
1 - المفارقة اللفظية
2 - . مفارقة الموقف أو السياق
ويمكن تحديد المفارقة اللفظية على أنها المفارقة التي يكون فيها المعنى الظاهري واضحاً، ولا يتسم بالغموض وذا قوة دلالية مؤثرة.
وكثيراً ما يكون المعنى فيها هجومياً، وخاصة في شعر الهجاء. وهذه المفارقة يتعمدها الشاعر، ويخطط لها، عبر التضاد بين المظهر والمخبر.
أما النوع الثاني من المفارقة، وهو مفارقة الموقف أو الحدث، فليس فيه صاحب مفارقة، بل هناك ضحية أو مراقب. وبعبارة أخرى تعتمد المفارقة هنا على حس الشاعر الذي يرى به الأشياء والأحداث من حوله، وتصويرها بمنظور المفارقة، ويترك للمراقب (الإنسان) تحليلها واستنباط أبعادها الفلسفية والشعورية، وكشف خيوط تعارضها. ومن هنا تختلف المفارقة اللفظية عن السياقية في أن الأولى تعتمد في كشف حقيقتها أولاً على صاحب المفارقة (الشاعر). أما المفارقة السياقية فإنها تعتمد على المراقب أو القارئ في استنباط وكشف التعارض بين المعنى الظاهري والخفي.
في المفارقة اللفظية يكون المعنيان الظاهر والباطن في مواجهة مباشرة على خلاف المفارقة السياقية أو الحدث التي تتطلب خفاء وعمقاً في البحث عن طرفي المفارقة داخل بنية القصيدة، وقد تحتاج إلى استنباط وتحليل لمجمل القصيدة أو ربطها بسياق خارجي عن القصيدة نفسها، وهذا أكثر أنواع المفارقة صعوبة
إن الأساس الذي تبنى عليه المفارقة اللغوية هو مفارقة التعبير المنطوق للمعنى المقصود، الذي يحتِّمه السياق اللغوي، أو الموقف التبليغي الراهن، ويحدده من أخل ذلك، فإن المفارقة اللغوية تكشف عن أمرين اثنين: الأول: عنصر الإخفاء والثاني حقيقة كون المتخفى في التعبير المنطوق هو المقصود إظهاره.
من أجل ذلك كانت المفارقة أداة أسلوبية فعالة للتهكم والاستهزاء ويخرج عن ذلك الاستهزاء الذي تخلو صياغته اللغوية من مفارقة اللفظ للمعنى، بل يرد إلى أدوات لغوية أسلوبية أخرى وهذا ما يلاحظ في كلمة " التعزير" فاصلها في العربية التعظيم ومنه قوله تعالى: " لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه" غير أنها تستعمل في معنى التأديب والتعنيف واللوم تهكما واستهزاء بالمذنب (انظر: ابن الأنباري: الأضداد ص147)
ولنضرب هذا المثال للمفارقة اللفظية
قال تعالى: " فأما من أعطى واتَّقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى"
فالتيسير لليسرى هو الأمر الطبيعي؛ لأنه تيسير لبلوغ خير أما أن يكون التيسير للعسرى فذلك قصد فيه إلى الجمع بين متناقضين جمعا يجعل التيسير تيسيرا من نوع آخر للشر والمعصية لجهنم. وهذا الموضع الوحيد في القرآن لاستخدام التيسير مع العسرى
وللحديث صلة