تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بين فقه اللغة وعلم اللغة]

ـ[حمادي الموقت]ــــــــ[25 - 09 - 2009, 09:26 م]ـ

بين فقه اللغة وعلم اللغة من خلال كتاب:

"دراسات في فقه اللغة" لصبحي الصالح

بقلم: حمادي الموقت

الباب الأول: فقه اللغة: نشأته وتطوره

الفصل الأول: بين فقه اللغة وعلم اللغة

نادرا ما تتوق نفسك وتشتهي لذة تذوق حلاوة العلم وطلاوة المعرفة من كتاب بعينه، ونادرا أيضا ما تجعله مصدرا من مصادرهما سواء أكانت هذه الأخيرة أدبية أم لغوية أم فلسفية. أما إن كان هذا الكتاب هو:"دراسات في فقه اللغة" لصاحبه الشيخ والأديب اللبناني صبحي الصالح، فلا بد لهذه النفس من أن تشد أزرها، وتحتمي بحمى التريث والاتزان العلمي، خاصة إن كان كتابا يعد من أمهات الكتب العربية التي تهتم باللسان العربي فتدرس خصوصياته وتكشف عن ميزاته، وتصرح بما يتقوى به عن باقي الألسن الأخرى، فضلا عن تاريخه و طبيعة تطوره، ثم البحث في مدى قدرته على مجابهة صفوة ألسن العصر. وما العصر إلا عصر التقنية والتطور التكنلوجي الذي اقتحم بيوتنا وبيوت بيوتنا من غير استئذان ولا مصحف.

لكن، دعونا من هذا مؤقتا، ولنرجئ الحديث عنه في حينه. ثم لنعد إلى "دراسات في فقه اللغة" لنقول في البدء: إن مجرد التأمل في عنوان الكتاب يُلزمنا الكثير من الوقت حتى نتبين دلالاته ونعري عن معانيه. كيف لا، والعنوان مشحون بمفهوم أثار ولازال يثير العديد من ردود الأفعال الفكرية واللسانية والمعجمية حوله كمصطلح لغوي من جهة، والحديث هنا يتعلق بمصطلح"فقه اللغة"، وكإشكال دلالي اختلفت فيه التوصيفات بينه وبين "علم اللغة" من جهة ثانية في الدراسات الغربية. وتكفينا الإشارة هنا إلى أن مصطلح "علم اللغة" عرف ترجمات عديدة تربو عن العشرين أو تزيد.

لذلك لم يكن من اليسير تجاهله أو تجاوزه. الأمر الذي دفع الدكتور صبحي الصالح يفرد لهما بابا خاصا صدّر به كتابه، واستهل به الحديث عن العربية وخصوصياتها.

أما من حيث الفرق بين مفهومي "فقه اللغة" و"علم اللغة" فمن العسير تحديده كما يقول الدكتور، "لأن جل مباحثهما متداخل لدى طائفة من العلماء في الشرق والغرب، قديما وحديثا. وقد سمح هذا التداخل أحيانا بإطلاق كل من التسميتين على الأخرى" ( ... ) "وإذا التمسنا التفرقة بين هذين الضربين من ضروب الدراسة ( ... ) وجدناها تافهة لاوزن لها، فاسم علم اللغة عند الفرنجة linguistique ou science du langage أي العلم المختص بالكلام أو اللغة؛ واسم فقه اللغة عندهم philologie وهي كلمة مركبة من لفظين إغريقيين أحدهما philos بمعنى الصديق، والثاني logos بمعنى الخطبة أو الكلام، فكأن واضع التسمية لاحظ أن فقه اللغة يقوم على حب الكلام للتعمق في دراسته من حيث قواعدُه وأصولُه وتاريخُه"صص 19 - 20.

ومن خلال هذا التوصيف الذي ينشد الفرق بين المصطلحين، أثار انتباهي لَبس قد يحصل بين مصطلحين آخرين وهو كذلك. وهذان المصطلحان هما:"الكلام" و"اللغة"، ويشكلان مع "اللسان" ثلاثية أقيمت على أساسها النظريات اللسانية الحديثة، بزعامة فيردناند دي سوسير من خلال كتابه"محاضرات في اللسانيات العامة". ولو لم يكن بين هذه الثلاثية من فرق؛ لما جعل منها قواعد تمس جوهر النظرية البنيوية. ثم إن الترتيب المقدمة به أعلاه لا يمكن أبدا أن يكون ترتيبا اعتباطيا أو عبتيا، بل يلابد أن تكون دلالته تقتضي علاقة من نوع خاص قد تكون علاقة الجزء بالكل. فإن كانت اللغة كلا، فالكلام جزء، وسيكون اللسان جزء الجزء لامحالة.

ومن هنا فدكتورنا حينما قال:"فاسم علم اللغة عند الفرنجة linguistique ou science du langage أي العلم المختص بالكلام أو اللغة" فلربما كان يعتقد أن المفهومين شيء واحد، بيد أن الأمر ليس كذلك. إذ اللغة في عرف علماء النحو "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" حسب تعريف ابن جني لها في خصائصه. ولما قال إنها أصوات معناه أنها كلام منظوم ملفوظ بيّنٌ واضح له معنى مفيد يحقق وظيفة التواصل. لكنها في عرف اللسانيين وعاء يغرف منه كل لسان أصواته بل كلامه الذي يتواصل به الناس والذي يتحدث عنه ابن جني. وعليه؛ فاللغة وعاء لكل مفردات الألسن العالمية، وما الكلام إلا مفردات خاصة يُؤلف فيما بينها وفق قواعد خاصة أيضا لتنتج في النهاية كلاما بيّنا ذا معنى وسط قوم وبيئة معينين يسمى آنذاك لسانا، فكان من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير