تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأهل الحق، هم أهل الغربة، في حديث: " بدأ الإسلام غريبا ... ، فطوبى للغرباء"، فهم قلة بالنسبة لغيرهم.

وقد وقع في الحديث الذي سبق نقله: " كلها في النار إلا واحدة، فقالوا: يا رسول الله، وما هي؟ قال: " الذي أنا عليه وأصحابي". فهل أصحابه على تحريف آية الاستواء!!!؟ أو قالوا: " الله لا داخل العالم ولا خارجه".

وأنا أتحدى أن يثبت أخي جمال أن هذا المذهب الذي ينادي به هو مذهب الصحابة أو التابعين، فالصحابة هم من نقل أحاديث الصفات، وهم من فسر القرآن، ولم نجد عندهم تأويلا وتحريفا للنصوص، ولم نجد أحدا منهم قال: " إن الله لا داخل العالم ولا خارجه" بل نقلوا إلينا إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للجارية لما قال لها: " أين الله قالت: " في السماء"، فلم نجد الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين الذين نقلوا هذا الحديث، قالوا: الحديث مجاز، والله ليس داخل العالم وليس خارجه.

وكذلك لم نجد أحدا منهم ادعى أن الصحابة أولوا حديث النزول، وهو مشهور.

قال علامة اليمن في عصره ابن الوزير: " إن أعرف الناس بمعاني كلامه-صلى الله عليه وسلم-، وأحراهم بالوقوف على كنهه، ودرك أسراره، هم الذين شاهدوا الوحي والتنزيل، وعاصروه وصحبوه، بل لازموه آناء الليل والنهار، مستمرين لفهم معاني كلامه، وتلقيه بالعمل به أولا، والنقل إلى من بعدهم ثانيا، والتقرب إلى الله تعالى بسماعه وفهمه وحفظه ونشره".

وقال ابن الوزير: " فلو علم صلى الله عليه وسلم أن الحاجة داعية إلى تأويل صفات الله، وأنه يلزم الخلق كيفية معرفتها، لما وسعه-صلى الله عليه وسلم- إلا البيان، وفي عدم ذلك: دليل على كذب مدعيه، فلا يرفع أحد طرفه، إلى كيفية معرفة صفات الله من قبل عقله، إلا غضه الدهَش والحيرة، فانقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير". ثم أقام الدليل على أن مذهب السلف هو هو المذهب الحق.

وتأمل معي كيف جمع الأشاعرة بين النقيضين، فالعقول البشرية جمعاء لا تعرف إلا ما هو داخل العالم أو خارجه، وهذا يذكرنا بقول أصحاب الأحوال من المعتزلة والأشعرية ممن أثبت الحال، وقال: " هي ليست موجودة ولا معدومة". والعقل البشري لا يعرف إلا الموجود والمعدوم، ولا ثالث بينهما، فالعقل المعتزلي والأشعري ناقضا العقول.

وأما الحديث" لا تجتمع أمتي على ضلالة"، فغريب من أمثالك الاستدلال بهذا، فالمراد اجتماع أهل الحق، الذين ابتعوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وطريقة أصحابه في فهم النصوص والتسليم بها، والنبي صلى الله عليه وسلم يتبرأ من كل من خالف سنته، وهذا ما فهمه الأئمة من أهل الحق.

والحديث صادق، فالأمة لم تجتمع على تحريفات منظري الأشاعرة لآيات الصفات، بل وجدنا أول الأمة وهم الصحابة والتابعون على خلاف تحريفهم.

والشافعي، وهو إمام أكثر الأشعرية في الفقه، إلا أنهم رموا بمعتقده عرض الحائط، واتبعوا أبا الحسن الأشعري في أول أمره، يقول الشافعي: " الكلام ليس من شأني، ولا أحب أن ينسب إلي منه شيء"، وسئل الشافعي عن قول الليث في صاحب الكلام، فنقل قوله:" لو رأيته يمشي على الماء، فلا تثق به، ولا تعبأ به، ولا تكلمه ثم قال الشافعي: " أما إنه قصّر، لو رأيته يمشي في الهواء لما قبلته وقال: " لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لأحد، وكان فيها من كتب الكلام، لم يدخل في الوصية؛ لأنه ليس من العلم". وقال: " ما رأيت أحدا ارتدى بالكلام فأفلح". وقال الشافعي: " حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأخذ في الكلام".

وقد خالف متأخروا الاشعرية كبار أصحاب الشافعي، مثل: أبي العباس بن سريج، الذي قال: " توحيد أهل الباطل من المسلمين: الخوض في الأعراض والأجسام ثم قال: " وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك".

وكذلك خالفوا الربيع بن سليمان، وهو من كبار أصحاب الشافعي، وهو الذي نقل قول الشافعي: " لأن يلقى الله العبد بكل ذنب، ما خلا الشرك، خير له من أن يلقاه بشيء من الهوى".

وقال الربيع: " نزل الشافعي من الدرج، وقوم في المجلس يتكلمون في شيء من الكلام، فصاح عليهم، وقال: " إما أن تجاورونا بخير، وإما أن تقوموا عنا".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير