تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قولك: " فليس يلزم من القول إنَّ الله سبحانه وتعالى فوق أهل أمريكا وأهل الصين تناقض, ولكن يلزم أن يكون أيضاً تحت أهل أمريكا وتحت أهل الصين!!! ".

أولا: لم يرد نص في القرآن أو السنة يثبت صفة التحتية، ولذا لا نقول به، فلماذا تلزمنا ما لا نقول به أصلا، ونحن متبعون لا مبتدعون.

ثانيا: لمّا قال علماؤكم: أن أعمى الصين يبصر البقة، فكذلك الله، يرى بلا مقابلة. كانوا يظنون أن الأندلس هي في الجهة الأخرى، تحت أهل الصين، فيلزمك ما ألزمتنا.

قولك: " فلقد صحت رواية أن سأل سيدنا رسول الله صلى الله عيه وسلَّم الجارية: "أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ "

هات الحديث من مسلم كاملا، وإلا فلا تتحدث عما لا تعلم. واذكر نص هذه الرواية كاملة، ودع عنك الكذب.، وقولك: " ولا أذكر غيره الآن" تشبع بما لم تعط، والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور.

قولك: " فلقد رد ابن تيمية رحمه الله حديث خلق التربة يوم السبت في صحيح الإمام مسلم! ".

الكلام على هذه الروايات التي نقلتها عن غيرك، لست من أهل النظر فيها؛ لأنك لست من أهل النظر في علم علل الحديث، فهو مما يقصر ذهنك عنه، وما مثل ذلك إلا كمثل طفل مهدٍ يُلقن فن تفاضل الدالة الأسية في الرياضيات، أو تكامل الجيب والجتا.

فعلم علل الحديث، علم ألفت فيه الكتب المطولة، ووضعت له القواعد الممهدة، والحكم على رواية بالشذوذ أو النكارة، أو تعليل رواية لا يقول به إلا من أمعن النظر في ذلك العلم، فحديث التربة، قد تكلم فيه البخاري وابن مهدي، وغيرهما، وهما إمامان متفق على إمامتهما في علم الحديث، ومع هذا، خالفهما جمع من علماء الحديث، وتصويب أو ترجيح مثل هذا ليس موضعه هنا، ومثل هذا لا تفقهه إطلاقا، فعلم علل الحديث من العلوم التي يقصر فهمك عن إدراكها، فلا تتحدث عنها. ويقال مثل ذلك: في الأحاديث الأخرى التي نقلتها عن المستشرقين أو غيرهم، في طعنهم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نقول لكل طاعن في سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك.

والعجيب أنك تظن نفسك كابن تيمية في علم الحديث، فابن تيمية، هو سيف الله المسلول على الفلاسفة والملحدين وعلى الغلاة المبتدعين، جندت كثير من الأقلام لترجمته وإبراز شخصيته الفذة وسطرت في هذا الشأن عشرات من المجلدات وفي ذلك ما يغني القارئ عن أن أترجم له في هذا الموضع، غير أني أرى أن أتحف القارئ بشذرات مما زكاه به كبار علماء عصره تتناول بعض الجوانب من حياته.

قال ابن سيد الناس: " كاد أن يستوعب السنن والآثار حفظاً. إن تكلم في التفسير، فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه، فهو مدرك غايته، أو ذاكر في الحديث فهو صاحب علمه وذو روايته، أو حاضر بالملل والنحل، لم ير أوسع من نحلته في ذلك، ولا أرفع من درايته. برز في كل فن على أبناء جنسه، ولم تر عين من رآه مثله ولا رأت عينه مثل نفسه".

وقال ابن الزملكاني: "كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحدًا لا يعرفه مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف، إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا قد عرفوه قبل ذلك، ولا يعرف أنه ناظر أحدًا فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها إلا فاق فيه أهله والمنسوبين إليه، وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين .. اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها".

وقال الذهبي: " وإن حضر الحفاظ نطق وخرسوا وسرد وأُبلسوا واستغنى وأفلسوا وإن سمي المتكلمون فهو فردهم، وإليه مرجعهم، وإن لاح ابن سيناء يقدم الفلاسفة فلَّهم وتيَّسهم وهتك أستارهم وكشف عوراهم وله يد طولى في معرفة العربية والصرف واللغة، وهو أعظم من أن يصفه كلمي أو ينبه على شأوه قلمي، فإن سيرته وعلومه ومعارفه ومحنه وتنقلاته تحتمل أن توضع في مجلدتين".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير