تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ينطبق عليها حديث القيرواني السابق، ونستطيع مقارنة هذا النص مع ما أورده محمد مفتاح حول اتفاق الدارسين على أن التناص شيء لا مناص منه (11).

ومن العرب الذين تناولوا التناص سعيد يقطين في كتابه (الرواية والتراث السردي) حيث يقول تحت عنوان أنواع التفاعل النصّي: "إن هناك صنفين من أصناف التفاعل النصي، أما الأول فهو التفاعل النصي الخاص، وهو أن يقيم نص علاقة مع نص محدد، كأن يسير نص في المدح مثلاً على منوال نص آخر معروف، وأما الصنف الثاني، فهو التفاعل النصي العام، وهو "ما يقيمه نص ما من علاقات مع نصوص عديدة مع ما بينها من اختلاف على صعيد الجنس والنوع والنمط، كأن يأخذ قصيدة شعرية فنجد الشاعر يوظف فيها مختلف مكوّناته الأدبية والثقافية في صورة شعرية تفاعل فيها مع شعراء سابقين، وفي أمثال أو أحاديث أو آيات ضمنها أو اقتبسها مستعملاً ما (نقله) عن غيره للدلالة على المعنى نفسه أو معطياً إياه دلالات جديدة أو مناقضة تماماً" (12).

ومن هنا نلاحظ حسب سعيد يقطين أن التضمين والاقتباس، والتأثر، كلها تقع ضمن مسمى التناص، ولا يبتعد هذا الفهم عن فهم محمد مفتاح للتناص الوارد سابقاً.

ونعثر على بحث أكثر منهجية وصرامة في التناص، قدّمه الباحث الناقد رجاء عيد منشور في مجلة علامات في النقد، وحول تعريف التناص يقول: "فالتناص ـ هنا ـ حضور نستشفه بواسطة خبرة عميقة بالنصوص الأدبية، وهذا الحضور النصي يحتاج إلى فراسة تتبّع، وإلى بصيرة وتبصّر؛ فقد تندمج البنيات المتناصة في بنية النص كإحدى مكوناته، لا يدركها سوى القارئ المنفتح في قراءاته على نصوص متعدّدة" (13) وهذا الفهم لا يبتعد كثيراً عمّا أورده ابن رشيق حول السرقة من حيث أهميّة ثقافة المتلقي، وكأنّ النصّين يطرقان قضيّة واحدة.

ورجاء عيد في بحثه هذا يعدّد صوراً من التناص منه الموافق حيث يتوحد المتناص مع النص على شكل موجة تحضنها موجات أخرى، وتكون الموافقة باللغة؛ إذ تستخدم اللغة نفسها التي استخدمها النص القديم.

ومما يعدّده رجاء عيد تناص التحوير، الذي يكشف حالة من حالات السخرية الأليمة من خلال النقيض، ثم تناص الموافقة الذي يهدف إلى توكيد مقولة قديمة، وهو إذ يعدد هذه الأشكال، فإنه يهدف إلى الوصول إلى قيمة التناص لمنهج تحليلي، فهي ليست "مقصورة على تجاوز أسوار المصطلحات التراثية السابقة (المعارضة ـ التضمين ـ السرقة)، وإنما يفتح التناص لما هو أرحب من محدودية ابتناء نص على نص، فمن مجالاته المقترحة العكوف على مقاربة تحليلية لتماهي التحولات ـ مسار التبدلات، وكيفية التمثل لنص سابق، ومدى حضوره في نص لاحق (14)، فالعلاقات النصية عنده "غير أحادية السمة مع نصوص أخرى؛ فقد تكون علاقة تحويل أو تقاطع أو تبديل أو اختراق" (15) ومن هنا فإننا نرى أن ما نسميه بالتناص وندرسه ضمن هذا البحث، يجب أن يكون هادفاً إلى تقديم إضافة جديدة على ما سبق، كأن يكون حاملاً رؤية الشاعر، أو حاملاً الخطاب الشعري أو موجهاً لهذا الخطاب من خلال ما يستثيره لدى المتلقي، وهذا النوع من التناص المقصود الممنهج.

وقريب مما ذهبنا إليه قول رجاء عيد: "إن انتزاع القول المضمّن من سياقه كما في نماذج متعدّدة ـ تراثية ومعاصرة ـ لا يكون تناصاً له خطره حين يرد استشهاداً مجانيّاً، أو تداعياً حيث يظل كلاهما لصقاً إضافياً أو وشياً أو تزييناً" (16).

وقريب من ذلك ما ذهب إليه د. عبد النبي اصطيف، حيث قال: "والقضية الأكثر حيوية وأهميّة وخطورة في مسألة تفاعل النصوص هي أن النصوص لا تتفاعل بوصفها مجرد نصوص، ولو كانت كذلك لصح النظر إلى تفاعلها على أنها مجرّد اقتباس أو تضمين أو تأثر بمصادر معينة، يستطيع أن يحدّدها القارئ الخبير المطلع، ولكنها تتفاعل بوصفها ممارسات دلالية متماسكة، إنها تتجاور وتصطرع، وتتزاوج وينفي بعضها البعض الآخر، أو باختصار عندما تتفاعل نصيّاً، تتفاعل بوصفها أنظمة علامات متماسكة لكل منها دلالته الخاصة به، وهذه الأنظمة عندما تلتقي في النص الجديد، تسهم متضافرة في خلق نظام ترميزي جديد، يحمل على عاتقه عبء إنتاج المعنى أو الدلالة في هذا النص" (17).

وبهذا الفهم للتناص سيسير البحث في قصيدة أبي تمام التي مطلعها:

الحَقُّ أبلَجُ وَالسُيوفُ عَوارِ= فَحَذارِ مِن أسَدِ العَرينِ حَذارِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير