تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَاِختارَ مِن سَعدٍ لعين بَني أبي= سَرحٍ لِوَحي اللهِ غَيرَ خِيارِ

حَتّى اِستَّضاءَ بشُعلةِ السُوَرِ الَّتي= رَفَعَت لَهُ سَجفاً عَنِ الأسرارِ

في هذه الأبيات يستثمر القصّة التي حدثت في زمن الرسول صلى الله عليه في اختيار عبد الله بن سعد بن أبي السرح كاتباً من كتبة الوحي، ثم قيل إنه يحرّف فيما يمليه عليه الرسول، حتى اكتشف الرسول أمره، فأهدر دمه، ثم شفع فيه عثمان بن عفّان رضي الله عنه ....

والتناص مع هذه القصّة في هذا الموقف يعني أن أبا تمام يريد تعزية الخليفة بغفلته عن الأفشين، وبذلك يقدّم التناص وظيفتين:

الأولى: تأكيد صورة المنافق ملصقة بالأفشين.

الثانية: تسويغ غفلة الخليفة بإيراد قصّة المنافق مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فكأنه يقول للخليفة: جلّ من لا يسهو.

وإذا كان الأفشين قد خدم الخليفة في مواقع سابقة، فإن الأبيات التالية سوف تعالج هذا الموضوع، يقول:

وَالهاشِمِيّونَ اِستَقَلَّت عيرُهُم= مِنْ كَربَلاءَ بأثقَلِ الأوتارِ

فَشَفاهم المُختارُ مِنهُ ولَم يَكُن=في دينِهِ المُختارُ بالمُختارِ

حَتّى إِذا اِنكَشَفَت سَرائِرُهُ اِغتَدَوا=مِنهُ براءَ السَمعِ وَالأبصارِ

وفي الأبيات السابقة يستثمر قصّة المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان قد ظهر بالكوفة، وزعم أنه يطالب بدم الحسين بن علي رضي الله عنهما، فقتل أناساً، حتى اكتُشف أنه كذاب ومُموّه، وما يريده أبو تمام أن هذا المنافق الكذاب قدّم عملاً مهماً للهاشميين، وثأر لهم من قتلة الحسين بن علي رضي الله عنهما، وشفا صدروهم، لكنّه لم يكن يقصد ذلك الأمر الذي أتاه، والهاشميون وإن أفادوا مما عمل فهم بريئون مما كان في سريرته، وكذبه ودجله، وإذا استبدلنا القصّة على مستوى النص وموضوعه ـ مقتل الأفشين ـ فذلك يعني أن الأعمال الجليلة التي قدّمها الأفشين ليست مقصودة، وبهذا فإن التناص إذ يعزّي الخليفة ويخرج حسرة الأعمال الجليلة التي قام بها الأفشين من قلبه، فإنه يوجّه خطاباً إعلاميّاً على المستوى العام، مستوى المسلمين؛ لأن الأفشين أحد القادة المهمّين، وربما يحدث قتله فتنة أو تذمّراً عاماً، فضلاً عن إن هذا التناص يقدّم صورة أخرى من صور المنافق.

وفي البيت الآتي نجد نموذجاً آخر من المنافق، وصورة أخرى من صور الغدر، يقول:

ما كانَ لولا فُحشُ غَدرَةِ خَيدَرٍ=لِيَكونَ في الإِسلام عام فِجارُِ

في هذا البيت يقدّم التناص دلالة جديدة على نحو جديد، فإذا كان في التناصات السابقة يقدّم قصصاً مماثلة ويوظفها لتعميق صورة المنافق كافر النعمة، فإنه في هذه المرة يستثمر حادثة تاريخية حدثت قبل الإسلام، وهي حرب الفجار، التي سميت بهذا الاسم لما استحلّ الحيّان ـ كنانة وقيس ـ من المحارم (27).

واستثمار حرب الفجار يقدم خدمة من خلال اللغة أولاً، حيث يصبح الأفشين فاجراً، أما الخدمة الثانية التي يقدمها التناص فهي: إن السابقة التي أقدم عليها الأفشين لم تحدث بكل التاريخ الإسلامي، فالأفشين أوجد بالإسلام ما لم يكن موجوداً فيه، عام الفجّار أو حرب الفجّار.

وفي الأبيات الآتية نجد صورة النار التي أحرق بها الأفشين، وصورة حرقه، يقول:

ما زالَ سِرُّ الكُفرِ بَينَ ضُلوعِهِ= حَتّى اِصطَلى سِرَّ الزِناد الواريِ

ناراً يُساوِرُ جِسمَهُ مِن حَرِّها= لَهَبٌ كَما عَصْفَرتَ شِقَّ إزارِ

طارَت لَها شُعَلٌ يُهَدِّمُ لفحُها= أركانَهُ هَدماً بغَيرِ غُبارِ

مَشبوبَة رُفِعَت لأِعظُمِ مُشرِكٍ= ما كانَ يَرفَعُ ضَوءَها لِلساري

صَلّى لها حَيّاً وَكانَ وَقودَها= مَيتاً وَيَدخُلُها مَعَ الفُجّارِ

فَصَّلنَ مِنهُ كُلَّ مَجمَعِ مَفصِلٍ= وَفَعَلنَ فاقِرَةً بِكُلِّ فَقارِ

وَكَذاكَ أهلَ النارِ في الدُنيا هُمُ= يَومَ القِيامَةِ جُلُّ أهلِ النارِ

في الأبيات السابقة يرسم أبو تمّام صورة أسطورية للنار التي أحرق بها الأفشين، فما مبرر هذه الصورة؟ ألا يعلم الخليفة بحرق الأفشين؟ ومن المستفيد من رسم صورة الحرق هذه؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير